جاء تجديد الولايات المتحدة الأمريكية، على لسان وزير خارجيتها ماركو روبيو خلال لقائه بوزير الشؤون الخارجية ناصر بوريطة، اعترافها الراسخ بسيادة المغرب على صحرائه ودعمها لمبادرة الحكم الذاتي كأساس وحيد لحل عادل ودائم، ليكرس مرة أخرى نجاح الدبلوماسية المغربية وواقعية الطرح المغربي، وفي المقابل، كشف هذا الموقف الأمريكي الثابت عن عمق التخبط والارتباك الذي يعيشه النظام الجزائري.
ففي الوقت الذي كان ينتظر فيه المراقبون رد فعل جزائرياً يتناسب مع حجم التصريحات النارية المعتادة التي تطلقها الجزائر كلما تعلق الأمر بقضية الصحراء المغربية، جاء رد قصر المرادية باهتاً وخجولاً إلى أبعد الحدود. فبدلاً من التنديد والاستنكار واستدعاء السفير من واشنطن، كما فعلت بحدة وعنجهية سابقة مع عواصم أوروبية كبرى مثل مدريد وباريس لمجرد تعبيرها عن دعم للموقف المغربي، اكتفت وزارة الخارجية الجزائرية بإصدار بيان مقتضب تعلن فيه أنها "أخذت علماً" بالموقف الأمريكي وتُعرب عن "أسفها" فقط.
هذا الرد المحتشم يفضح ازدواجية المعايير التي تحكم السياسة الخارجية الجزائرية، ويؤكد أن لغة الوعيد والتهديد التي تتقنها الجزائر لا تعدو كونها "زوبعة في فنجان" موجهة للاستهلاك الداخلي أو للضغط على دول تعتقد أنها أضعف، لكنها سرعان ما تتبخر وتتلاشى أمام هيبة القوى الكبرى كالولايات المتحدة. يبدو أن "مخزون الغضب العسكري" المزعوم قد نفد، أو أن النظام الجزائري يدرك جيداً حدود قدرته على التأثير و يخشى عواقب أي تصعيد مع واشنطن، خاصة وأن الموقف الأمريكي ليس جديداً بل هو استمرار لقرار استراتيجي اتخذته الإدارة السابقة وأكدته الإدارة الحالية بوضوح لا لبس فيه.
إن هذا التراجع الجزائري عن لغة التصعيد المعتادة ليس إلا دليلاً إضافياً على العزلة الدبلوماسية المتزايدة التي تعاني منها الجزائر، والتي تجد نفسها محاصرة في محيطها الإقليمي، حيث تتوالى الانتكاسات بسحب العديد من الدول اعترافها بالكيان الوهمي، بل وإغلاق دول الساحل لمجالها الجوي أمامها، فضلاً عن الأزمات المتكررة مع شركاء تقليديين كفرنسا، والتذمر الشعبي الداخلي المتصاعد.
في المقابل، يواصل المغرب، بقيادة دبلوماسية هادئة وفعالة، حصد الدعم الدولي لمبادرته الجادة وذات المصداقية للحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، وهو ما أكده مجدداً الموقف الأمريكي الواضح الذي وصف المقترح المغربي بأنه "جاد وموثوق وواقعي" و "الأساس الوحيد" للحل و "الحل الوحيد ذو الجدوى". إن اللقاء بين بوريطة وروبيو في واشنطن، بالتزامن مع استقبال الجزائر لوزير خارجية إيران، يرسم صورة بليغة للفرق الشاسع بين دبلوماسية بناء الشراكات الاستراتيجية القوية التي ينتهجها المغرب، وسياسة البحث عن تحالفات هامشية ومحاولة الهروب من العزلة التي يمارسها النظام الجزائري.
باختصار، الموقف الأمريكي الثابت هو انتصار للطرح المغربي الواقعي وتأكيد لشرعية قضيته الوطنية، وهو في الوقت ذاته صفعة للخطاب الجزائري المتصلب وفضح لسياساته المتناقضة وردود أفعاله التي لا تتجاوز كونها ضجيجاً إعلامياً لا يغير من الحقائق شيئا.