* أيوب درازة
تزامنا مع الحراك الذي تعرفه الجارة الجزائر منذ فبراير الماضي، في ما يشبه استئنافا "للزخم الاحتجاجي المغاربي"، اجتمع مساء الأربعاء في الرباط ثلة من الإعلاميين والباحثين في مائدة مستديرة نظمها المركز المغاربي للدراسات والأبحاث في الإعلام والاتصال حول موضوع "الإعلام المغاربي والحركات الاحتجاجية".
وحاول المشاركون في المائدة المستديرة، التي احتضنتها قاعة التكوين والندوات في المعهد العالي للإعلام والاتصال، مقاربة تناول وسائل الإعلام لمجريات الحركات الاحتجاجية بالمنطقة المغاربية.
بنيس: الإعلام المغاربي أصبح وسيلة للتشكيك في رمزية الفعل الاحتجاجي
قال الأستاذ الباحث في جامعة محمد الخامس بالرباط، سعيد بنيس، إن الإعلام أصبح اليوم وسيلة لتوجيه الرأي العام والتشكيك في رمزية الفعل الاحتجاجي عبر عرض أقل ما يمكن وحجب المعلومة الحقيقية.
وأكد بنيس، الذي تناول في مداخلته موضوع "الإعلام المغاربي والحركات الاحتجاجية: بين الفاعلية والثورة"، أن الحراكات التي عرفتها المنطقة المغاربية أحدثت تغييرا في طبيعة المتلقي للمضامين الإعلامية، مضيفا أن هذا التغيير فرض بدوره تحولا في نوعية الإعلام الذي أصبح اليوم ملزما بالتطور والالتزام بالمهنية والحياد والابتعاد عن التحريض والتوجيه السلبي.
واعتبر المتحدث ذاته أن تغطية الإعلام المغاربي للاحتجاجات "كانت ناقصة وتقلل من أهمية عبقرية وإبداع المحتجين، التي تمثلت في أشكال احتجاجية مبدعة كالمقاطعة، واستعمال أغاني روابط تشجيع فرق كرة القدم كشعارات للاحتجاج"، مؤكدا أن المواطن والمحتج بشكل عام غير راض عن تغطية الإعلام المغاربي للفعل الاحتجاجي.
ونبه إلى الدور الكبير الذي صارت تلعبه منصات التواصل الاجتماعي في ولادة حركات احتجاجية كثيرة ساهمت في خلق نوع جديد من المواطنين الرقميين الواقعين، مشددا على أنه هؤلاء استطاعوا نقل احتجاجاتهم من الافتراضي إلى الواقعي وساق في ذلك مثالين لحملة المقاطعة في المغرب والاحتجاجات التي تعيشها الجزائر حاليا.
ويلاحظ أن دور منصات التواصل الاجتماعي في التعريف بالفعل الاحتجاجي ونقل صورة حقيقية عن الاحتجاجات والثورات يشهد تناميا كبيرا، مسجلا تراجع لوسائل الإعلام التي "أصبحت تجد صعوبة في وصف الحركات الاحتجاجية وفي أحيان أخرى تصفها بشكل غامض".
أحداد: على الإعلام اليوم أن يجيب عن سؤال مهم: أين يبدأ الصحافي وأين ينتهي المناضل؟
قال الصحفي محمد أحداد، إن الإعلام المغربي الذي واكب الحراك في المغرب ساهم في إغناء الإشاعة عبر خطاب التحريض والإقصاء، مشددا على أن ذلك لم يكن لا في صالح المحتجين ولا في صالح الدولة.
وانطلق أحداد من تجربته الشخصية في تغطية ما يعرف بـ"حراك الريف"، خلال جميع مراحل تطوره، لمعالجة إشكالية الإعلام المغربي والحركات الاحتجاجية، محاولا وضع المهنية على محك الاختبار.
واعتبر أن تجربة الحراك الاحتجاجي في المغرب أنتجت نقاشا جديدا في الممارسة الإعلامية يتمحور حول سؤال: أين تبدأ الصحافة وأين ينتهي النضال؟ واعتمد في ذلك على مثال حركة 20 فبراير التي "كما طالبت بإسقاط الفساد فإنها أسقطت صحافيين كذلك، حيث صار كثير من النشطاء آنذاك صحافيين".
وأضاف: "كنا خلال الحراك أمام أصوليتين، حرضت إحداهما ضد المتظاهرين وسقطت الثانية في فخ التمجيد الأعمى للحراك".
وأشار المتحدث إلى بعض تجليات الأصولية الأولى مثل "التحريض ضد المتظاهرين والحركات الاحتجاجية، إقصاء الرأي الآخر، وصف المحتجين بأنهم يخدمون أجندات أجنبية."، مسجلا أنه، خلال أسبوع من الاحتجاجات، "غيرت وسائل إعلام روايتها 6 مرات".
ولعب الإعلام دورا خطيرا في هذا الصدد، حسب أحداد، "فبقدر ما كان يمكن لهذا الخطاب أن يعبر عن أطروحة الدولة ويشكل بديلا حقيقيا للإعلام الافتراضي؛ فإنه لم يساهم في نهاية المطاف إلا في تأجيج الأوضاع"، مضيفا أن هذه الأصولية أنتجت واقعا صار فيه الإعلام حاملا لخطاب الكراهية مما جعل شباب الحراك يضعون الجميع في سلة واحدة سموها "الدكاكين".
وفي مقابل ذلك، يرى محمد أحداد أن هناك أصولية ثانية سقطت في فخ التمجيد الأعمى للحراك، مما أدى إلى تأجيج الأوضاع وحدوث عكس ما كان يجب أن يكون.
وأضاف أحداد أن من تجليات هذه الأصولية: انسجام الصحافة بشكل نضالي مع حراكات المحتجين، وانتصارها للعاطفة وهو ما أدى أيضا إلى ترويج الإشاعة.
واستنتج أن الطرفين قاما معا بتوزيع عادل للإشاعة؛ ولكن الذي ضاع في نهاية المطاف هو الإعلام المهني، مبرزا دور مؤسسات التكوين الإعلامي، حيث أن "الرهان اليوم هو كيف نكون صحافيين يمتلكون ناصية الصحافة؟ وكيف نبني إعلاما مهنيا دون الانتصار للتحريف لهذا الجانب أو ذاك.
واستدرك المتحدث، في ختام مداخلته، أنه كان هناك إعلام مهني اشتغل بشكل جيد إبان الحراك وأثر فيه، مضيفا أنه "من بين تجليات التأثير صنع قاموس الحراك، فكلمة "حراك" نفسها صنعه الإعلام الذي تابع الأحداث، بالإضافة إلى مصطلحات مثل: الريف التاريخي، الذراع الحقوقية للدولة، المرحلون لعكاشة".
الإنترنت ساعد الإعلام المغاربي في مواجهة كل الصعوبات خلال تغطية الحراك في تونس.
بنستيتو: منصات التواصل الاجتماعي وفرت للإعلاميين إمكانيات لمواجهة الصعوبات
قال الصحافي علي بنستيتو، إن منصات التواصل الاجتماعي وفرت للإعلاميين إمكانيات لمواجهة الصعوبات التي فرضتها المقاربة الأمنية من أجل منع تغطية الحراك في تونس.
وأشار بنستيتو، الذي تحدث عن تجربته في تغطية الحراك التونسي إلى أنه "خلال الشهور التي سبقت الثورة، كانت حرية الصحافة والتعبير شبه منعدمة" مضيفا أن المشهد الإعلامي التونسي "كان يعد أشد بؤسا وسوادا، فيما يطغى على الإعلام الرسمي أسلوب الإملاءات وتمجيد النظام، خاصة في الإذاعة والتلفزيون".
وأضاف: "كان ممثلو وسائل الإعلام الأجنبية بتعرضون للتحرش والمضايقات اللصيقة من قبل عناصر الأمن التي كانت تحصي أنفاسهم"، مؤكدا أن السلطات كانت تلجأ لهذا الأسلوب بدل منع الصحافيين بشكل مباشر من دخول البلاد "كي لا تجر عليها المزيد من غضب الرأي العام العالمي وضغط المنظمات الحقوقية الدولية".
واعترف أن الصحافيين الأجانب كانوا يشعرون بثقل هذه المقاربة البوليسية، مستدركا: "رغم هذا الوضع استطاع الصحافيون نقل صورة ما كان يحدث داخل تونس بفضل شبكة الإنترنت والصور الحية التي كانت تبث عبر شبكات التواصل الاجتماعي".
ويرى بنستيتو أن الشباب النشطاء على منصات التواصل الاجتماعي لعبوا دورا "مهما في تسليط الضوء على ما كان يجري في تونس خلال الحراك، رغم كل محاولات التضييق على حرية التعبير، خاصة بعد حدث حرق الشاب البوعزيزي لنفسه".
وحاول النظام، بعد حادث البوعزيزي، إنقاذ ما يمكن إنقاذه حيث فتح المجال أمام الإعلام الذي أصبح آنذاك يتناول الحديث في العديد من المواضيع بهامش حرية وجرأة لم يتوفر خلال الأيام الأولى للحراك. مؤكدا على أن نشاط الشباب في منصات التواصل الاجتماعي أثر بشكل إيجابي في نفوس المواطنين بتحفيزهم على المشاركة في الحراك.
محمود معروف: فيروس التمرد دخل الإعلام الرسمي في الجزائر
ومن جانبه، قال رئيس مكتب المغرب العربي لجريدة "القدس العربي" اللندنية، محمود معروف إنه ليس هناك حراك مغاربي، ولا إعلام مغاربي لأنه لا توجد قواسم مشتركة بين الدول المغاربية، مضيفا أن الإعلام "يفتقد اليوم للأمانة والموضوعية، وهو ما ساهم في تيئيس الناس".
وشدد معروف، الذي حاول في مداخلته فهم الحراك المغاربي في الإعلام، على الدور الذي لعبه التلفزيون في الثورة التونسية والمصرية، مؤكدا في الآن ذاته أنه "لم يعد للفضائيات العابرة للحدود دور في الموجة الثانية للحراك الذي تعرفه الجزائر".
ويعتبر المتحدث أن الإعلام الذي يغطي الحراك في الجزائر اليوم هو الإعلام المحلي، مضيفا أن "فيروس التمرد دخل الإعلام الرسمي في الجزائر".
صحافي متدرب