بحثا عن تموقع جديد: بنعبد الله يهاجم الرفاق والخصوم (تحليل)

 بدأت حرارة الخطاب السياسي ترتفع بشكل ملحوظ، مع اقتراب الحكومة المغربية من دخول سنتها الأخيرة، وبدأت معها التسخينات الانتخابية المبكرة التي تسبق عادة كل استحقاق تشريعي.

في هذا السياق، تسعى مختلف الأحزاب السياسية، سواء من الأغلبية أو المعارضة، إلى إعادة أوراقها وتحديد تموقعها استعداداً للمرحلة المقبلة، عبر إطلاق تصريحات ومواقف تهدف إلى استقطاب الانتباه ورسم صورة الفاعل السياسي القادر على تقديم الحلول أو البدائل.

وسط هذا الحراك، يبرز دور المعارضة كمحور أساسي في تقييم الأداء الحكومي وتقديم رؤية مغايرة، إلا أن واقعها المطبوع بالتشتت وغياب التنسيق يطرح تساؤلات جدية حول قدرتها على لعب هذا الدور بفعالية.

وفي خضم هذا الفراغ، تظهر محاولات بعض الفاعلين السياسيين للخروج عن الاصطفافات التقليدية وتقديم أنفسهم كطرف مستقل يمتلك خطابا نقديا موجها للجميع، كما هو شأن نبيل بنعبد الله الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية الذي أطلق النار في كل الاتجاهات في خرجته الأخيرة، حيث لم يستثني الاتحاد الاشتراكي وهو حزب في المعارضة، كما وجه مدفعيته الخطابية نحو الحكومة وهو ما يراه البعض دينامية جديدة داخل المشهد السياسي المتأزم، لكن توقيت الهجوم يطرح أكثر من سؤال.

في تحليله لهذه التحولات، يرى الباحث السياسي رشيد لزرق، أن سياق وتوقيت هجوم نبيل بنعبد الله ، الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، على الأغلبية والمعارضة معاً لا يبدو معزولاً عن التسخينات الانتخابية التي بدأت تلوح في الأفق.

الهدف من هذه الخرجة هو جعل الحزب طرفاً أساسيا في النقاش السياسي بعدما كان يتخذ مسافة من النقاشات الحارقة ويشغل موقعا رماديا بالوقوف خلف الاتحاد الاشتراكي كمكون يساري والعدالة والتنمية داخل المعارضة.

يعتبر لزرق في تصريحه لجريدة بلبريس الإلكترونية،  أن خرجة بنعبد الله اليوم هي محاولة واضحة لإعادة تموقعه كفاعل سياسي مستقل، قادر على استعادة حضوره وسط مشهد يساري مشتت.

فاختياره مهاجمة الحكومة لضعف أدائها، وفي الوقت نفسه توجيه سهام النقد للمعارضة بسبب عجزها عن تقديم بديل، يكشف رغبة واضحة في الخروج من السبات التنظيمي والسياسي، وإرسال إشارات لقاعدته وللناخبين بأنه طرف مختلف، يمتلك خطابا مستقلا وجرأة سياسية.

ويضيف لزرق أن هذا الوضع يتأثر بشكل مباشر بحالة المعارضة، حيث أن عدم تنسيقها وتضارب خطابها وتنافس مكوناتها على قيادتها أدى إلى إضعاف آلية الرقابة البرلمانية والسياسية، وهو ما خوّل للحكومة هامش تحرك واسع دون مساءلة حقيقية.

رشيد لزرق شدد على أن ’’هذا التشتت جعل المعارضة غير قادرة على بناء جبهة ضغط فعالة رغم تعدد الملفات الشائكة التي تواجهها الحكومة، كارتفاع الأسعار وأزمة التعليم، ومحدودية الإصلاحات الاجتماعية.’’

وخلص الباحث في الشأن السياسي، إلى أن هذا الواقع أفرز  معارضة خطابية أكثر منها مؤسساتية، ما سمح للسلطة التنفيذية بتفادي المحاسبة الجادة، وأضعف ثقة المواطنين في جدوى النقاش السياسي داخل البرلمان.