المادة الـ3 و الـ7 من المسطرة الجنائية.. اتهامات بمحاباة الفاسدين وخرق الدستور !
شهد مجلس النواب اليوم الثلاثاء جلسةً تشريعيةً حول مشروع قانون المسطرة الجنائية رقم 03.23، وسط جدلٍ بين تأكيد الحكومة على "طابعه الإصلاحي" وتحفظات نوابٍ حول مضامينه. فبينما وصف وزير العدل، عبد اللطيف وهبي، النص بأنه "محطة نوعية" تُحقق توازناً بين الأمن العام والحريات، أثيرت انتقاداتٌ حول التعديلات المُستبعدة ومدى استجابتها لمطالب الإصلاح الحقيقية.
واجه المشروع انتقاداتٍ بعدما استجاب لـ1384 تعديلاً برلمانياً، بينما رُفضت مقترحاتٌ أخرى بحجة "عدم توافقها مع مرجعيات الإصلاح أو الإمكانيات المادية"، ما دفع نواباً إلى التعبير عن استياءهم من "تجاهل مطالب جوهرية". كما أثارت موادٌ مثل توسيع الاعتماد على التقنيات الرقمية وضوابط الاعتقال الاحتياطي جدلاً قانونياً حول حدود الموازنة بين السلطات الأمنية وضمانات المحاكمة العادلة.
ويأتي النقاش في ظل تشكيكٍ من جمعيات حقوقية في فعالية الضمانات المقدمة، خاصةً في قضايا مثل الاتجار بالبشر وقرينة البراءة، بينما تُؤكد الحكومة أن المشروع يندرج في "مسار إصلاحي متكامل". وتُواصل الجلسة مناقشة التعديلات المتبقية، في اختبارٍ حقيقيٍ لمدى تجاوب السلطة التنفيذية مع انتقادات البرلمان والمجتمع المدني.
صراعات بين مؤسسات دستورية والوزير وهبي
في جلسة تشريعية ساخنة بمجلس النواب، شن وزير العدل عبد اللطيف وهبي هجوما لاذعا على رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي عبد القادر اعمارة، ورئيس الهيئة الوطنية للنزاهة ومحاربة الرشوة والوقاية منها محمد بنعليلو، وذلك ردا على مطالباتهما بإدراج حق جمعيات المجتمع المدني في الانتصاب كطرف مدني في قضايا الفساد والمال العام ضمن مشروع القانون رقم 03.23 المعدل للقانون المتعلق بالمسطرة الجنائية.
وبخلاف التوصيات الصادرة عن المؤسسات الدستورية، أصر الوزير خلال الجلسة المنعقدة يوم الثلاثاء على رفضه منح الجمعيات هذا الحق، معتبراً أن رأي تلك المؤسسات لا يعدو كونه استشارياً. ورداً على انتقادات وجهت إليه، قال وهبي: "ليس لدي أي مشكل مع المؤسسات الدستورية، فهي مجرد رأي استشاري. أنا أدافع عن المؤسسة التشريعية، ولهم الحق في انتقادي، لكن لا يحق لهم التدخل في صياغة الفصول، فهذا من اختصاص البرلمانيين".
وتابع الوزير متسائلاً: "هؤلاء لا يفرقون بين القانون الجنائي وقانون المسطرة، ثم يريدون مني أن آخذ برأيهم؟ إذا قال أحدهم – في إشارة إلى بنعليلو – إنه لا يتفق مع المادة 3، فمن أنت؟ أنت مؤسسة دستورية، قدم رأيك حول التوجه العام، لكن المادة 3 من اختصاص النواب".
وأكد وهبي أن "القانون أداة لتنفيذ سياسة الحكومة، وأنا لا يمكن أن أضحي بالتصويت الشعبي الذي يقبل خياراتي. الرئيس المعين لا يمثل الشعب، أما أنا فجئت إلى البرلمان بأغلبية قبل أن أصبح وزيراً، ولذلك لا أسمع إلا للبرلمان". واختتم كلامه بالقول: "المؤسسات الدستورية مجرد رأي، أنتم مقتنعون به، وأنا غير مقتنع. ابحثوا عن حل آخر".
ردود فعل نيابية غاضبة
أثارت تصريحات وهبي استياءً بين عدد من النواب، حيث انتقد عبد الله بوانوو، رئيس المجموعة النيابية للعدالة والتنمية، استهانة الوزير بدور الهيئات الدستورية، قائلاً: "لا داعي لتبخيس دور هذه المؤسسات، فالدستور والقانون التنظيمي لأشغال الحكومة يلزمانكم بأخذ رأيها الاستشاري".
وحذر بوانوو من عواقب الاستهانة بهذه الأدوار، قائلاً: "إذا كنا سنقلل من شأن المؤسسات الدستورية بهذا الشكل، فإننا سندفع بها جميعاً إلى الهاوية". وفي السياق ذاته، قالت النائبة نبيلة منيب: "لا يمكن أن ننعت مؤسسات دستورية تضم كفاءات وطنية معروفة بنعوت ناقصة"، مشيرة إلى أدوار رئيس مجلس المنافسة ورئيس هيئة النزاهة في محاربة الفساد.
مطالبات بتعزيز دور المجتمع المدني
يأتي هذا الجدل في أعقاب توصية المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي بالإبقاء على حق الأفراد والجمعيات في التبليغ عن جرائم المال العام، مع وضع ضوابط تحول دون الاستغلال غير المسؤول لهذا الحق، تماشياً مع التزام المغرب الدولي بمكافحة الفساد.
كما دعت الهيئة الوطنية للنزاهة إلى تفعيل آليات تمكين الأشخاص والهيئات من تقديم شكاوى بشكل فعال، على غرار صلاحياتها في التحقيق وإحالة الملفات إلى النيابة العامة عند الاقتضاء.
من جانبه، أكد محمد بنعليلو أن منح الجمعيات الجادة حق الانتصاب كطرف مدني في قضايا الفساد يعد "واجباً معيارياً"، محذراً من أن التعديلات المقترحة قد تقوض دور هذه الهيئات إذا خضعت لضوابط تنظيمية غير واضحة.
المسطرة الجنائية تتعارض مع الدستور
وفي إطار مناقشة مشروع قانون رقم 03.23 المتعلق بتغيير وتتميم القانون رقم 22.01 حول المسطرة الجنائية، ألقت النائبة فاطمة التامني، عن حزب فيديرالية اليسار الديمقراطي، كلمة شديدة اللهجة انتقدت فيها بشدة مضامين المشروع، معتبرة أنه لا يستجيب لانتظارات بناء عدالة تحترم الحقوق والحريات، ولا ينسجم مع التزامات المغرب الدولية في مجال حقوق الإنسان.
أكدت النائبة أن المشروع يكرس هيمنة الأمنية من خلال توسيع صلاحيات الضابطة القضائية دون رقابة فعالة، خاصة في مرحلة الحراسة النظرية، حيث يحرم المتهم من ضمانات أساسية كالحضور الفوري للمحامي والتسجيل السمعي البصري للاستماع، مما يعرض المتهمين لخطر التعسف ويضعف قرينة البراءة. كما انتقدت استمرار النص في تجريم الفقر والتساهل مع الفساد، حيث يحافظ على مقاربة زجرية ضد الفئات الهشة، بينما لا يوفر آليات فعالة لمحاربة جرائم الفساد المالي ونهب المال العام.
وأشارت إلى انتكاسة خطيرة تمثلت في منع جمعيات المجتمع المدني من تقديم شكايات في قضايا الفساد، وهو ما اعتبرته تقويضًا لدور الرقابة المجتمعية المنصوص عليها في الدستور، ونكوصًا عن مقتضيات الفصل 12 الذي يؤكد على إشراك الجمعيات في تتبع السياسات العمومية. وتساءلت بسخرية عن حالات الابتزاز المزعومة التي يتذرع بها البعض، في حين أن المتابعات القضائية تطال العشرات بل المئات من المنتخبين والمسؤولين، مؤكدة أن الجميع سواسية أمام القانون.
كما تطرقت إلى إشكالية تعامل الحكومة مع آراء المؤسسات الدستورية، مشيرة إلى أن ذلك يعكس نظرة استعلائية كأنها تمتلك الحقيقة المطلقة. وأكدت أن المشروع يتجاهل آليات حماية النساء والأطفال وضحايا العنف، ويُهمش مقاربة الوقاية وإعادة الإدماج لصالح منطق العقاب والردع. أما فيما يخص النيابة العامة، فقد حذرت من منحها سلطات شبه مطلقة دون آليات شفافة للمراقبة والمساءلة، مما يتنافى مع مبادئ المحاكمة العادلة واستقلال القضاء.
واختتمت كلمتها برفض المشروع في صيغته الحالية، داعية إلى إعادة صياغته بمنظور حقوقي ديمقراطي يضع المواطن في قلب العدالة، ويجعل من محاربة الفساد أولوية حقيقية، بدل تعبيد الطريق لحماية المتورطين في شبهات نهب المال العام.
حُماة المال العام ينتفضون
في اجتماع طارئ عُقد عن بُعد يوم الإثنين 19 ماي 2025، ناقش المكتب الوطني للجمعية المغربية لحماية المال العام التبعات الخطيرة لمصادقة لجنة العدل والتشريع بمجلس النواب على مشروع قانون المسطرة الجنائية، مع تركيز خاص على المادتين 3 و7 اللتين أثارتا جدلاً قانونياً وحقوقياً واسعاً.
وصفت الجمعية في بيان رسمي هذه الخطوة بـ"التراجع الخطير" عن المكتسبات الدستورية في مجال تخليق الحياة العامة وربط المسؤولية بالمحاسبة، معتبرة أن المشروع يهدف إلى "تحييد المجتمع" وإضعاف دور الأفراد والجمعيات في كشف جرائم الفساد والرشوة ونهب المال العام.
أعربت الجمعية عن قلقها البالغ من استمرار تفشي الفساد في عدة قطاعات حيوية، مشيرة بشكل خاص إلى فضيحة "شبكة الفساد بجامعة ابن زهر بأكادير" التي تتضمن شبهات تزوير شواهد جامعية وترقيات غير مشروعة. وحثت على توسيع نطاق التحقيقات القضائية لضمان عدم إفلات المتورطين من العقاب.
انتقادات حادة للمادتين المثيرتين للجدل
وجهت الجمعية انتقادات لاذعة للمادتين 3 و7 من المشروع، معتبرة أنهما تهدفان إلى "حماية المنتخبين والمسؤولين من المتابعات القضائية"، مما يشكل انتهاكاً صارخاً لمبادئ الشفافية والمحاسبة الدستورية. ودعت إلى مراجعة هذه المواد بما يتوافق مع التزامات المغرب الدولية، خاصة اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد.
وفي هذا السياق، كشفت الجمعية عن خطة عمل متكاملة تشمل سلسلة لقاءات تشاورية مع الأحزاب السياسية والمؤسسات الدستورية المعنية بالحكامة، إلى جانب تنظيم ندوة صحفية كبرى، معلنة عن وقفة احتجاجية أمام مقر البرلمان يوم السبت 14 يونيو المقبل، في ساعة متأخرة من المساء.
اختتمت الجمعية بيانها بتأكيد أن معركة مكافحة الفساد "ليست قضية نخبوية"، بل مسؤولية وطنية مشتركة تستدعي تعبئة جميع مكونات المجتمع للدفاع عن مبادئ العدالة والمساواة، وتحذيراً من أي محاولات لإضعاف آليات المحاسبة والرقابة.