انتخابات 2021 بين رهانات الدولة وحذر الاحزاب السياسية

د.ميلود بلقاضي

أفرزت مشاريع القوانين التنظيمية المؤطرة للـ " انتخابات المقبلة 2021 "  معادلة عجيبة : دولة تريد عقلنة الفعل الانتخابي، وتأهيل المشهد الحزبي ، وأحزاب سياسية حذرة من هذه المشاريع وما يمكن ان تفرزه من نتائج. الامر الذي يفسر اختلاف ردود أفعال ومواقف قادة الأحزاب اتجاه هذه المشاريع القانونية التنظيمية. فلا أحزاب الأغلبية الحكومية تمكنت بعقد اجتماع لها لاتخاذ موقف موحد اتجاه هذه المشاريع، ولا أحزاب المعارضة اجتمعت فيما بينها لاتخاذ موقف موحد اتجاه هذه المشاريع.

بل ان الغريب في الامر هو اجتماع حزب العدالة والتنمية من الأغلبية بحزبين من المعارضة وأعني حزبي الاستقلال والاصالة والمعاصرة عوض الاجتماع مع أحزاب الأغلبية ، وقبول حزبي المعارضة الجلوس مع حزب العدالة والتنمية بدل الاجتماع بينهما كأحزاب معارضة ، الامر الذي يؤكد ان المشهد الحزبي ما زال يعاني من نفس الاختلالات وما زال يمارس سلوكاته الشاذة رغم سمو دستور 2011 بالأحزاب ورغم الدعوات المتكررة للخطابات الملكية لعقلنة المشهد الحزبي . وهو ما يفسر المواقف الذاتية والسياسوية للأحزاب من هذه المشاريع القانونية التنظيمية لـ" انتخابات 2021 ".

تيه حزب العدالة والتنمية وشعوره بالعزلة:

يمر حزب البيجيدي بوضع داخلي صعب خصوصا بعد توقيع العثماني وثيقة استئناف العلاقات مع إسرائيل وتأخير عقد المؤتمر الاستثنائي وسط انتقادات حادة من طرف أعضاء المجلس الوطني . حزب العدالة والتنمية يمر من مرحلة تيه وينتظر الضوء الأخضر من جهات معينة لاتخاذ موقفه من الانتخابات المقبلة، لانه ما زال يتردد بين خيارين صعبين: أ٠ الرغبة بالفوز للمرة الثالثة بهذه الانتخابات للاستمرار في الحكم رغم المخاطر المحدقة بهذا الخيار،لانه يدرك جيدا انه حتى ولو احتل المرتبة الأولى في الانتخابات المقبلة فانه سيواجه صعوبات على مستوى تشكيل الحكومة لان جل الأحزاب سترفض التحالف معه لتشكيلها. ب٠ وبين تقليص ترشيحات الحزب بالدوائر الانتخابية لتفادي احتلال المرتبة الأولى في هذه الانتخابات، مع تشبثه رفض مسألة القاسم الانتخابي وإلغاء اللائحة الوطنية المتعلقة بالشباب وهي مجرد مناورات لان ما صودق عليه بالمجلس الوزاري صعب إعادة النظر فيه باستثناء القاسم الانتخابي.

تخوف حزب الأصالة والمعاصرة من العودة الى حجمه الحقيقي:

حزب البام الذي يشكل الاستثناء منذ ولادته ما زال يبحث عن هوية أيديولوجية واضحة لأنه تركيبته المشكلة من اعيان واصحاب أموال وكائنات انتخابية ومصلحية ومن يساريين تعيق تطوره، لذلك فأمينه العام الجديد وهبي واع بان ما حصل عليه الحزب من أصوات ومقاعد في انتخابات 2016 كان استثناء ولا يعكس حجمه الانتخابي الحقيقي على ارض الواقع ، وهو واع أيضا بالمخاطر المهددة للحزب داخليا وخارجيا وبانه بعد انتخابات 2021 سيعود لحجمه الحقيقي ولن يبق القوة الحزبية الثانية ، لانه ما زال مفتقرا إلى سمات الحزب ذا الهوية الأيديولوجية والفكرية الموحدة نشأةً وتطورًا وهويةً سياسية، وما زال حزبا انتخابيًّا لا حزبا سياسيًّا، لارتباط مشروعية وجوده بالسعي لخلق التوازن مع الإسلاميين.

حزب الاستقلال ومخاطر وتبعات انتخابات مؤتمره الأخير :

يتفق جل الباحثين ان حزب الاستقلال يعد من اهم الأحزاب الأكثر تنظيما والمؤهلة لمواجهة حزب العدالة والتنمية وقيادة حتى الحكومة المقبلة ، لكن انتخابات المؤتمر الأخير أفرز قيادة بدون سلطات على أجهزة الحزب ،حيث ان الأمين العام للحزب نزار بركة وجد نفسه مكتوف الايدي امام تيار ولد الرشيد المتحكم بهياكل الحزب ، إضافة الى وصوله قيادة الحزب في ظروف صعبة بعد تجربة حميد شباط ،وعليه فنزار بركة الأمين العام لحزب الاستقلال يوجد امام معادلة صعبة الحفاظ على مرجعيات الحزب وهو خيار مكلف، أو القيام بمناورات والانفتاح على الاعيان للإنقاذ الحزب من وضع صعب فقد فيه الكثير من بريق منهجية ومرجعية حزب علال الفاسي.

حزب التجمع الوطني للأحرار بين قيادة قوية وقاعدة هشة:

يلاحظ المهتم كيف اختار حزب اخنوش منهجية الصمت والعمل بالميدان ونهج سياسة القرب ، لكن التحدي الأكبر لهذا الحزب في الانتخابات المقبلة هو ان مستقبل عزيز اخنوش السياسي يرتبط بنتائج الانتخابات المقبلة الذي يراهن على قيادة الحكومة المقبلة لتوفره على بروفيلات ونخب قوية ومؤهلة على تسيير وتدبير مغرب ما بعد كورونا حيث يبدو حزب التجمع الوطني للأحرار اكثر الأحزاب تأهيلا لهذه المهمة ، وهناك عدة مؤشرات تؤكد بان الحزب حدد مساره وهدفه وهو احتلال المواقع الأولى في الانتخابات المقبلة خصوصا وان هناك الكثير من الاعيان والكائنات الانتخابية الممارسة ستهجر أحزاب الاصالة والمعاصرة والاتحاد الدستوري والحركة الشعبية والاتحاد الاشتراكي لالتحاق بحزب اخنوش الرجل القوي في المرحلة الحالية ،لكن ما يعاني منه هذا الحزب هو ضعف وهشاشة روافده وقواعده عكس قيادته القوية حيث ان تشكيلة مكتبه السياسي تعد الأهم في المكاتب السياسية للأحزاب بالمغرب.

رهانات الدولة وعناد الواقع:

يتبين من مشاريع القوانين التنظيمية لـ " انتخابات المقبلة 2021 " ان الدولة قد أضافت جرعات من العقلانية والتوازن في هذه القوانين المؤطرة للانتخابات المقبلة بهدف بناء رهاناتها السياسية بأسلوب حذر للحفاظ على توازن المشهد السياسي الهش وإعادة ترتيبه على أسس تتناسب وتحديات مغرب ما بعد كورونا والنموذج التنموي الجديد وافاق الجهوية المتقدمة، عكس تيه وتردد وتخوف الطبقة السياسية مما قد ستفرزه الانتخابات وما سيترتب عنها من أوضاع سياسية واجتماعية تعيد رسم خارطة الفاعلين السياسيين و احجامهم، الامر الذي سيجعل قلب الدولة موزع بين حزبي التجمع الوطني للأحرار والاصالة والمعاصرة ، لكن عقلها أو جزء منه مع حزبي العدالة والتنمية والاستقلال ، أمَّا الواقع السياسي المغربي فما زال تهمين عليه الضبابية والغموض ، ولا يبدو أنه يعرف أو قد يعرف اتجاهًا نحو قطبية حزبية منطقية طرفاها أحزاب محافظة وأخرى تقدمية وأخرى وسطية ، لكون العلاقة بين حزب العدالة والتنمية والدولة لم تستقر بشكل طبيعي ، وعلاقة الأحزاب السياسية بالمرجعيات الأيديولوجية لم تستقر بشكل تام ، وعلاقة المواطن مع الفعل الانتخابي لم تتوطد بشكل نضالي، والأحزاب لم تقتنع بعد بان العملية الانتخابية هي عملية سياسية وليست عملية تقنية/ قانونية.

رئيس المرصد المغربي للدراسات الاستراتيجية والسياسية