لشهر رمضان الكريم في المغرب خصوصية متميزة عن باقي الدول الأخرى، إذ تتسم لياليه بأجواء مليئة بالإيمان والرحمة، وهذا ما يتجلى بشكل واضح في اكتضاض المساجد بالمتعبدين كباراً وصغاراً سواء كانوا رجالاً أم نساءً، غير أن العادات الرمضانية المغربية لا تنحصر في المساجد فقط، بل تمتد لما يجري من أحداث و فعاليات في الشوارع والدروب المغربية.
في هذا الشهر الكريم، تتجدد الكثير من الطقوس المؤثرة التي تستمد قوتها من التراث الشعبي المحلي، طقوس تختلف من مدينة لأخرى وقد ارتأينا ان ننهل منها للقارئ على شكل حلقات، وأن نخوض في دروب مدننا العريقة ونستمد منها ثقافتها الشعبية الاصيلة.
رمضان بمراكش..موائد دسمة وعادات عريقة تقاوم الاندثار
يكتسي شهر رمضان في إقليم الحوز خصوصية حضارية وسلوكية جديرة بالانتباه، تجسدها منظومة متكاملة من العادات والتقاليد، التي تعكس تقديس سكان الإقليم لهذا الشهر، وتجندهم لتأثيثه بممارسات ذات طابع تعبدي وسلوكي واجتماعي واقتصادي أيضاً.
وعلى شاكلة مدن مغربية عدة، لمراكش أيضا، كحاضرة عريقة، عادات وتقاليد قبل وخلال شهر الصيام، تشمل مختلف مناحي الحياة اليومية داخل المجتمع المغربي، سواء تعلق الأمر بالجانب الغذائي أو اللباس أو أداء الشعائر الدينية، أو صلة الرحم وكرم الضيافة.
وفي إقليم يعرف بثقل موروثه الحضاري وتنوع روافده الثقافية، فإن رمضانيات الحوز تدفع إلى السطح بظواهر وطقوس خاصة تصل ماضي البلاد بحاضرها، كما لا تخلو من ممارسات دخيلة تجد مرجعها في تطور الأخلاقيات العامة.
ومما يلفت الانتباه في السلوك الاقتصادي للمواطنين بالإقليم في هذا الشهر، أن الإنفاق الزائد لا يقتصر على طبقة بعينها، ذلك لأن الشرائح الضعيفة والميسورة تبذل وسعها لتجهيز موائد الإفطار والعشاء والسحور، وتكون نتيجة هذا التهافت على شراء المواد الغذائية ندرة بعض هذه المواد وارتفاع الأسعار، برغم جهود المراقبة التي تقوم بها السلطات العمومية، من جهة، واستنزاف مدخرات البيوت المتواضعة من جهة أخرى. بل أدهى من ذلك، تتنافس مؤسسات القروض على إغراء صغار الموظفين وذوي الدخل المحدود بالاستفادة من فرص “ملغومة” للحصول على سلفات للتكفل بمصاريف شهر يفترض أنه للتعبد والتقرب الى الله.
رمضان بإقليم الحوز يكتسي أيضاً حلة مظهرية متميزة تحاكي روحانياته. إنه موسم تتألق فيه الأزياء التقليدية التي باتت علامة هوية وأيقونة تحيل على الإقليم وأهله، إذ تتنوع أذواق الرجال والنساء في التحلي بالجلباب بألوانه وتصميماته المتنوعة التي واكبت العصر وانفتحت على العالم، جامعة بين الأصالة والاحتشام من جهة، وروح الموضة العصرية من جهة ثانية.
وتضطر محلات الخياطة التقليدية إلى تمديد أوقات العمل لتلبية طلبات الزبائن، وإن أصبحت تواجه منافسة بوجه الألبسة التقليدية الجاهزة التي تصنع بكميات كبيرة وبأسعار أقل في معامل النسيج. وبالطبع يرافق الجلباب نعل “البلغة” الذي كان ينحصر سالفا في اللون الأصفر بالنسبة للرجال قبل أن تتنوع ألوانه ومواد صنعه.
وكأي منطقة من مناطق المغرب، تستقبل المساجد بالحوز روادها في الأوقات الخمسة مع حرص الصائمين على صلاة الجماعة، خصوصا مع تساهل الإدارات العمومية مع موظفيها في التقيد بمواقيت العمل.
وتسطع أنوار المساجد في صلاة العشاء والتراويح بحيث تضيق بالمصلين فأصبح من المعتاد أن تتراص صفوف طويلة خارج المساجد وعلى قارعة الطريق لأداء الشعيرة، ليتفرق الجمع بعدئذ بين من يعود الى بيته ليعيش أجواء أسرية خاصة، ومن يقصد المقاهي التي تنتقل ذروة نشاطها الى الليل في سهر ممتد الى وقت ما قبل السحور، تتناسل حول طاولاتها نقاشات السياسة والرياضة وأحوال المجتمع أو تحتدم على رقعتها مباريات لعب الورق.
ودأب المراكشيون على الاحتفاء بالطفل أو الطفلة التي تقترب من سن وجوب الصيام أو عندما يصوم يومه الأول، بإقامة فطور فاخر على شرفه ويلبسونه اللباس التقليدي، أما الفتاة فتعامل كالعروس، تزين على شاكلتها وتجلس في”المرتبة”، وتطلق الزغاريد تشجيعا للصغار على الصيام.
وبقدر ما تتعزز مظاهر التدين في رمضان بإقليم الحوز وتزدحم المساجد بزوارها وتزدهر مشاريع الخير والإنفاق على الفئات المحتاجة والإسراع الى صلة الرحم والإطعام من خلال موائد الرحمن، التي باتت تشرف عليها عدة جمعيات، فإنه في المقابل يكشف عن تغيرات بالجملة في السلوك الإنفاقي، الحالة المزاجية، العلاقات الاجتماعية، الجدول الزمني اليومي للصائمين وغيرها من الخصائص التي تطبع شهر رمضان في الإقليم الذي يوفر عموما فرصة للوقوف على نموذج يجمع بين التمسك بالشعائر المقدسة، والانفتاح على تيارات الراهن بمختلف تلاوينها.