مع تصاعد التوتر العسكري بين طهران وتل أبيب، وازدياد وتيرة إطلاق الصواريخ من الأراضي الإيرانية، برز سؤال جوهري في التحليلات الإقليمية والدولية: ما الذي يجعل إسرائيل قادرة على رصد الصواريخ الباليستية منذ لحظة إطلاقها، قبل أن تلامس حدودها؟
الجواب، وفق ما كشفته تقارير دفاعية دولية، يكمن في منظومة متعددة المستويات تضم رادارات أمريكية فائقة الدقة، وأقمارًا صناعية متطورة، وشبكات استخبارات عابرة للحدود، وهو ما يمنح إسرائيل قدرة شبه فورية على تتبع المقذوفات الباليستية القادمة من عمق الأراضي الإيرانية.
وتلعب محطة الرادار الأمريكية AN/TPY-2، التي تتمركز في منطقة كورجيك بمقاطعة ملاطية التركية، دورًا محوريًا في هذه المنظومة، إذ أنها قادرة على كشف إطلاق الصواريخ من مسافة تزيد عن 500 كيلومتر داخل الأراضي الإيرانية.
المحطة، التي تديرها واشنطن منذ 2012، تُعد جزءًا من شبكة الدفاع الصاروخي لحلف الناتو، وقد أنشئت أساسًا لمواجهة التهديدات المحتملة القادمة من طهران تجاه أوروبا.
ورغم تأكيد أنقرة والناتو عدم مشاركة بيانات المحطة مع أي دولة خارج الحلف، فإن محللين يرون أن الإشراف الأمريكي المباشر على تشغيل الرادار، يجعل من مشاركة المعلومات مع إسرائيل أمرًا واردًا، لا سيما في إطار التعاون الاستراتيجي القائم بين تل أبيب وواشنطن.
وتعزز هذه القدرات برادار أمريكي مماثل من نوع AN/TPY-2، تتمركز نسخته الثانية في منطقة النقب تحت اسم “Site 512”، وتديره القوات الأمريكية دون تدخل مباشر من الجانب الإسرائيلي، بحسب تقارير متخصصة من Jane’s Defence Weekly.
إلى جانب الدعم الأمريكي، طوّرت إسرائيل منظومة رادارية متقدمة خاصة بها، من بينها رادار EL/M-2090 TERRA المُخصص للإنذار المبكر جدًا، ورادار Green Pine المستخدم في إطار منظومة “آرو” الدفاعية، كما تُستخدم رادارات EL/M-2084 المتعددة المهام في تشغيل نظام القبة الحديدية لاعتراض الصواريخ قصيرة المدى.
ومن أبرز الوسائل الجديدة التي دخلت الخدمة، منطاد المراقبة “Sky Dew”، المجهز برادارات عالية التحليق قادرة على تغطية مناطق شاسعة من شمال إسرائيل، ويعمل على تعزيز قدرات الإنذار المبكر في مواجهة الصواريخ والطائرات بدون طيار.
ولا تقتصر منظومة الرصد على الرادارات الأرضية، بل تعتمد إسرائيل على منظومة الأقمار الصناعية SBIRS الأمريكية، المخصصة لاكتشاف إطلاق الصواريخ عبر الأشعة تحت الحمراء، حيث توفر هذه الأقمار معلومات استخباراتية لحظية تُرسل مباشرة إلى القيادة المركزية للدفاع الجوي الأمريكي.
وفي موازاة ذلك، استثمرت تل أبيب في تطوير أقمار تجسس محلية، من بينها “أوفيك 16” الذي أُطلق سنة 2020، ويتمتع بقدرات تصوير وتجسس دقيقة، إضافة إلى قمر OPTSAT 500 الذي كشفت عنه الصناعات الجوية الإسرائيلية عام 2018.
أما الجانب الأكثر حساسية في المنظومة الإسرائيلية، فيكمن في الشبكات الاستخباراتية النشطة داخل العمق الإيراني، والتي تنشط في تتبع تحركات الحرس الثوري وبرامج تطوير الصواريخ. وقد أشارت مصادر غربية إلى أن هذه الشبكات تمكنت مؤخرًا من إدخال طائرات مسيّرة إلى الأراضي الإيرانية، استُخدمت لاحقًا في تنفيذ ضربات دقيقة ضد منشآت عسكرية ونووية.
ورغم نفي إسرائيل الرسمي لأي اعتماد مباشر على الرادارات الأمريكية خارج أراضيها، فإن المعطيات الميدانية تؤكد أن التفوق الإسرائيلي في الحرب السيبرانية والاستخباراتية يُضاف إلى تقنيات المراقبة المتطورة، ما يجعلها اليوم واحدة من أكثر الدول قدرة على استشعار التهديدات الصاروخية قبل حدوثها.