أعادت تدوينة نشرتها القاضية مليكة حفيظ، على صفحتها بموقع “فيسبوك”، النقاش حول أعطاب المراقبة العمرانية في المغرب، مسلّطة الضوء على التوتر القائم بين مقتضيات تشجيع الاستثمار وبين صرامة القوانين المؤطرة للتعمير والبناء.
واعتبرت حفيظ من خلال التدوينة، أن جزءا أساسيا من الإشكال لا يكمن في النصوص، بل في طريقة تفعيل السلطة لصلاحياتها بين التتبع، المواكبة، والردع.
وركزت القاضية على أن القوانين المؤطرة من قانون 12.90 إلى 66.12 و25.90، منحت السلطات الإدارية والهندسية دورا يتجاوز تحرير المحاضر أو إصدار أوامر الهدم، نحو مسؤولية فعلية في التتبع الوقائي، فالقانون، كما توضح، يفترض مراقبة دورية للأوراش، إشعارا فوريا بالمخالفات، واعتماد مساطر تدريجية قبل الوصول لأي قرار زجري.
وغياب هذه المراقبة الاستباقية، تضيف حفيظ، لا يجعل من الجزاء المتأخر مجرد إجراء غير فعال، بل يشكل مساسا بالأمن القانوني، ويضرب مبدأ حماية المراكز القانونية للمستثمرين.
وتوقفت التدوينة عند واحد من أكثر الملفات حساسية: الهدم في المشاريع المرخصة، فرغم أن وجود مخالفة داخل ورش مرخص لا يلغي مسؤولية صاحب المشروع، إلا أن القاضية شددت على أن الهدم يجب أن يظل إجراء استثنائيا، لا يُلجأ إليه إلا عند وجود مخالفة جوهرية لا يمكن تداركها.
أما اتخاذ قرار الهدم بعد انتهاء الأشغال، وبعد غياب شبه تام لتتبع السلطة، فذلك بحسب تحليلها ينبغي أن يفتح باب مساءلة الإدارة قبل مساءلة صاحب الورش.
وفي سياق أشمل، اعتبرت حفيظ أن التفاوت الحاصل بين تشدد السلطات مع المشاريع القانونية المرخصة، مقابل التساهل الطويل مع البنايات العشوائية ودور الصفيح، يخلق “ازدواجية خطيرة” في تطبيق القانون، ازدواجية تؤثر على ثقة المستثمر، وتبعث بحسب التدوينة رسالة خاطئة حول جدية الدولة في بناء بيئة عمرانية آمنة ومنضبطة وشفافة.
ودعت القاضية، في ختام تدوينتها، إلى مقاربة جديدة أكثر انسجاما مع روح الحكامة العمرانية، تقوم على الرقمنة، الحضور التقني المستمر، التدرج في الجزاءات، وتطوير كفاءات المتدخلين.
فالعمران، كما خلصت، ليس مجرد جدران تشيد، بل منظومة حقوق ومسؤوليات لا يمكن أن تستقيم إلا بسلطة تمارس مهامها بانتظام وإنصاف، بعيدا عن منطق التدخل المتأخر وردود الفعل الزجرية غير المتوازنة.