نشرت صحيفة أتاليار الإسبانية تقريرا مطولا تناولت فيه الإطار القانوني والسياسي الذي يحكم الملفات البحرية والجوية العالقة بين المملكة المغربية والمملكة الإسبانية في الواجهة الأطلسية، وذلك على ضوء أحكام قانون البحار، وتطورات النزاع الإقليمي حول الصحراء، والمستجدات التي أفرزتها دينامية التعاون الثنائي منذ إعلان خريطة الطريق الجديدة في أبريل 2022، وصولا إلى التأثيرات المباشرة لصدور القرار الأممي 2797 لسنة 2025، الذي اعتبر مبادرة الحكم الذاتي المغربية أساسا واقعيا لحل سياسي في إطار سيادة المملكة.
ويوضح التقرير أن مسألة ترسيم الحدود البحرية بين البلدين لم تحسم بعد باتفاق نهائي، رغم الممارسة العملية الطويلة التي اعتمدت على نوع من “الفصل الوظيفي” بين المياه دون أن يترجم ذلك في خط قانوني ملزم للطرفين. فالمغرب، الذي صادق في 2020 على القانونين 37-17 و38-17 لترسيم مياهه الإقليمية ومنطقة اقتصاده الخالص على امتداد سواحله الأطلسية بما فيها الأقاليم الجنوبية، يتمسك بمبدأ الإنصاف كقاعدة مرجعية، معتبرا أن تطبيق خط المنتصف بشكل آلي بين ساحل قاري ممتد كالواجهة الأطلسية المغربية وبين أرخبيل غير مصنف كـ “دولة أرخبيلية” وفق قانون البحار، لا يؤدي إلى نتائج عادلة.
وترى الصحيفة أن هذا الطرح يستند مباشرة إلى المادة 74 والمادة 83 من اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، اللتين تشترطان الوصول إلى “حل منصف” عبر التفاوض، دون إلزامية اعتماد خط الوسط إلا في حال توافق الطرفين. وتستحضر الصحيفة كذلك التجارب القضائية الدولية التي منحت الأفضلية للإنصاف في حالات مشابهة، عندما يؤدي التطبيق الحسابي لخط المنتصف إلى اختلال واضح في توزيع المساحات البحرية.
وفي صلب التقرير الإسباني، يحضر جبل تروبيك كعنصر محوري في التوترات التقنية بين البلدين، فهذا الجبل البحري الغني بالمعادن النادرة وخاصة التيلوريوم والكوبالت، ينتظر أن يكتسب قيمة جيواستراتيجية استثنائية خلال العقود المقبلة، بالنظر إلى ارتباط معادلات الطاقة الجديدة والمعادن الحرجة بصناعات البطاريات والتقنيات النظيفة.
وتشير الصحيفة إلى أن استغلال هذا المخزون غير متوقع قبل عقدين أو ثلاثة على الأقل، بسبب تعقيدات الأعماق البحرية التي تتجاوز 3000 متر، وهي أعماق تصنفها السلطة الدولية لقاع البحار ضمن المناطق التي تستدعي “حساسية بيئية قصوى”.
وحسب التقرير فإن الأكثر واقعية على المدى المنظور هو اعتماد ترتيبات انتقالية أو مناطق تطوير مشترك، كما تسمح بذلك المادة 83.3 من قانون البحار، لتفادي أي إجراءات انفرادية قد تعقد المسار أمام لجنة حدود الجرف القاري التي تباشر دراسة طلبات التمديد المقدمة من الجانبين.
فإسبانيا قدمت بالفعل ملفا لتمديد جرفها القاري حول جزر الكناري، بينما عبر المغرب عن اعتراضه بسبب التداخل المحتمل مع امتداد جرفه القاري في الأقاليم الجنوبية، وقدّم بيانات أولية تمهيدية بخصوص ملفه الخاص.
ويشير التقرير إلى أن إدارة المجال الجوي فوق الصحراء المغربية تمثل بدورها ملفا تقنيا حساسا، بحكم أن جزءا من حركة الطيران الدولي ظل يدار تاريخيا من مركز المراقبة في لاس بالماس بالتنسيق مع الرباط، وفق ترتيبات منظمة الطيران المدني الدولي.
إلا أن التطورات السياسية الأخيرة، وعلى رأسها قرار مجلس الأمن 2797 الذي يعزز الاعتراف الدولي بالسيادة المغربية على الأقاليم الجنوبية، تجعل من الطبيعي وفق الصحيفة توجه الرباط نحو استرجاع الإدارة الكاملة لمجالها الجوي بطريقة تدريجية ومنسقة مع مدريد، حفاظا على الأمن الجوي وسلاسة الربط الدولي الذي يهم أوروبا وغرب إفريقيا وأمريكا اللاتينية.
ويبرز التقرير أن خريطة الطريق المشتركة لعام 2022 كسرت منطق التوجس المتبادل، ووضعت آليات عملية لإحياء لجنة ترسيم الحدود البحرية، وفتحت نقاشا تقنيا غير مسبوق حول إدارة المجال الجوي، وكرست مبدأ الامتناع عن الإجراءات المنفردة التي قد تفسر كحقائق مفروضة على الأرض أو في البحر.
ووفق التقرير، فإن الرباط ومدريد تقتربان تدريجيا من رؤية مشتركة تقوم على مقاربة “رابح – رابح”، تجعل من الفضاء الأطلسي مجالا لتكامل اقتصادي واستثماري، وليس لبؤر نزاع، فالمغرب يتقدم بمشاريع كبرى في الواجهة الأطلسية كان آخرها ميناء الداخلة الأطلسي العملاق، وتطوير ممرات تجارية إقليمية تربط دول الساحل بالمحيط، إلى جانب مشاريع الغاز والطاقة المتجددة التي تمنح المنطقة وزنا جيوسياسيا متزايدا.
وفي المقابل، ترى إسبانيا بحسب الصحيفة، أن استقرار الجنوب المغربي وتعزيز التعاون البحري والجوي ينعكس مباشرة على أمنها الطاقي، ومصالحها الاقتصادية، واستقرار أرخبيل الكناري.
ويخلص التقرير إلى أن المغرب وإسبانيا أمام فرصة تاريخية لإنجاز اتفاق بحري وجوي شامل، قائم على المبادئ الصارمة لقانون البحار ولمنطق الجوار المسؤول، يكون قادرا على تحويل منطقة لطالما كانت مجالا للخلافات التقنية إلى فضاء مشترك للتعاون الاقتصادي، والاستثمار في المعادن الحيوية، وحماية البيئة البحرية، وضمان أمن الملاحة والطيران، في إطار شراكة أطلسية واعدة تتجاوز منطق الحسابات الضيقة إلى رؤية استراتيجية بعيدة المدى.