كيف تحول زوما لمدافع قوي على المغرب وصديقا فاعلا للرباط؟

في خطوة جريئة أثارت جدلاً واسعاً على الصعيد السياسي والدبلوماسي، واجه الرئيس الجنوب أفريقي الأسبق جاكوب زوما انتقادات حادة بعدما رفع العلم الوطني لجنوب أفريقيا خلال زيارته إلى المغرب. ورغم هذه الانتقادات، تمسّك زوما بموقفه، مؤكداً أن العلم الوطني رمز يمثل الأمة بأكملها، وليس حكراً على الحكومة، معبراً بذلك عن رؤية مختلفة للسيادة والدبلوماسية تتجاوز البروتوكولات التقليدية.

جاء ذلك خلال مؤتمر صحفي عقده زوما في 8 غشت 2025 بمدينة ساندتون قرب جوهانسبورغ، حيث رد بسخرية على الانتقادات الموجهة له بشأن لقائه غير الرسمي مع وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة في الرباط منتصف يوليوز، برفقة العلم الجنوب أفريقي. وقال: «علم جنوب أفريقيا ملك لجميع المواطنين، لا يخص الحكومة فقط. كل دولة لها علم وطني يمثل شعبها، فلماذا يثار هذا الجدل؟».

زوما لم يكن يرفع العلم مجرد إشارة رمزية، بل أراد من خلالها إعادة تأكيد دور الشعب والذاكرة التاريخية في صياغة السياسة الخارجية، بعيداً عن الاحتكار الحصري للدولة ومؤسساتها الرسمية، فالرفع ليس مجرد بروتوكول، بل هو تعبير عن سيادة الشعب، التي يجب أن تتجاوز المؤسسات الحكومية ومحدوديات السياسة الرسمية.

من جهة أخرى، أبدت وزارة العلاقات الدولية والتعاون الجنوب أفريقية (DIRCO) تحفظها، ووصفت ما جرى بـ«الاستخدام غير المناسب» للرموز الوطنية في سياق غير رسمي، مؤكدة أن اللقاء لا يعبر عن الموقف الرسمي لجنوب أفريقيا، ووجهت احتجاجاً دبلوماسياً للحكومة المغربية. لكن زوما، بخبرته وتاريخه النضالي، يستند إلى شرعية أخرى تتجاوز الحدود الحكومية، شرعية تاريخية نضالية تؤكد على عمق العلاقات بين المغرب وجنوب أفريقيا.

فالمغرب كان منذ عام 1962 داعماً أساسياً للنضال ضد نظام الفصل العنصري، وموطناً للتدريب والدعم لجناح «uMkhonto we Sizwe (MK)»، الجناح المسلح لحزب المؤتمر الوطني الأفريقي الذي كان يقوده زوما نفسه. زيارة زوما للمغرب تأتي في هذا السياق، محاولة لإعادة إحياء الروابط الأفريقية التاريخية، وتحقيق تضامن عميق يعكس إرث الكفاح المشترك، بدلاً من الانصياع لسياسات حكومية قد تبدو بعيدة عن نبض الشعوب الحقيقية.

كما أن موقف زوما يكشف عن أزمة في الخطاب الدبلوماسي الرسمي، الذي يخشى من خطاب بديل يُعبر عن تطلعات شعبية وأفريقية أوسع. فهو يطرح دبلوماسية موازية قائمة على الذاكرة الجماعية والتضامن الأفريقي، وليس مجرد مواقف حزبية أو تحالفات سياسية ضيقة. هذا ما أثار حفيظة بعض قادة حزب المؤتمر الوطني الأفريقي الذين وصفوه بالخائن، في محاولة لمنع تفكك السردية الرسمية التي تدعم موقف بريتوريا تجاه النزاع في الصحراء.

الأمر يتجاوز مجرد نزاع سياسي بين شخصيات أو أحزاب، فهو سؤال عميق حول من يملك حق التعبير عن الدولة والهوية في فضاء السياسة الخارجية. رفع العلم في الرباط هو فعل رمزي يجسد رفض احتكار الدولة للرواية السياسية، ويعيد إلى الواجهة بعداً تاريخياً وإنسانياً يتجاوز حدود الدبلوماسية التقليدية.

في النهاية، تكشف هذه الحادثة عن فجوة بين التمثيلات الرسمية والتطلعات الشعبية، وتؤكد أن الرموز الوطنية تبقى ساحة صراع فكري وسياسي مستمر. وزوما، بوزنه التاريخي وخبرته السياسية، لا يراهن على خطاب شعبوي سطحي، بل على تحرك استراتيجي يضع الهوية الجنوب أفريقية في قلب القارة، متحررة من قيود الانقسامات الجيوسياسية القديمة، ومتمسكة بعمق التضامن الأفريقي الذي جسده المغرب عبر عقود.

المقالات المرتبطة

أضف رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *