أثار اللقاء الذي جمع الملك محمد السادس بالمبعوث السعودي الأمير تركي بن محمد بن فهد، بالتزامن مع استقبال الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون لسفير الرياض، نقاشا واسعا حول احتمال دخول السعودية على خط الأزمة المغربية الجزائرية عبر وساطة دبلوماسية.
هذا التزامن، الذي يصعب اعتباره محض صدفة، يُقرأ كإشارة أولية إلى رغبة الرياض في اختبار إمكانية لعب دور قناة تواصل بين العاصمتين.
مكا أن التحرك يبدو حذرا في خطواته، لكنه يحمل أبعادا استراتيجية بالنظر إلى طبيعة التوترات الإقليمية.
السياق الدولي بدوره يزيد من أهمية هذه المبادرة. فالولايات المتحدة تمارس ضغوطا لإقناع الجزائر بتخفيف موقفها المتصلب من قضية الصحراء، خاصة بعد تزايد الدعم الغربي لمبادرة الحكم الذاتي التي يقترحها المغرب.
ومع اقتراب الذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء، تبدو الرباط معنية بإبراز مكسب سياسي في هذا الملف، وهو ما تدركه الرياض التي قد تسعى إلى ربط أي دور وساطي بهذا الحدث الرمزي، غير أن معوقات هذه الوساطة تظل كبيرة.
وفي هذا الصدد، يقدم الخبير في العلاقات الدولية والمتخصص في ملف الصحراء أحمد نور الدين، في تصريح خاص لجريدة “بلبريس” الإلكترونية، قراءة واقعية للموقف الجزائري، مؤكداً أن “لا يمكن لأي مبادرة عربية أو دولية أن تنجح في مصالحة بين المغرب والجزائر، لسبب واضح وبسيط وهو أن الجزائر ترفض بشكل رسمي أي وساطة مع المغرب وقد عبرت عن ذلك في بيانات رئاسة الدولة ووزارة الخارجية ومندوبها في الجامعة العربية”.
ويستعرض نور الدين سجلاً طويلاً من المبادرات الفاشلة، مذكراً بأن الجزائر أفشلت “مبادرة الرئيس التونسي المنصف المرزوقي سنة 2012، ومبادرة الرئيس التركي أردوغان سنة 2013 وكان وقتئذ رئيساً للوزراء، ومبادرة الجامعة العربية سنة 2022، ومبادرة سعودية قبل القمة العربية في الجزائر سنة 2022″، مضيفاً أن “هناك حديث عن مبادرة إسبانية وأخرى فرنسية بالإضافة إلى دول أفريقية صديقة مثل نيجيريا حاولت مصالحة البلدين ولكنها اصطدمت بالرفض الجزائري”.
لفهم هذا الرفض المتكرر، يحدد نور الدين ثلاثة عوامل أساسية. العامل الأول مرتبط بعقيدة الدولة الجزائرية منذ استقلالها والتي تقوم على العداء للمغرب، حيث يرى المحلل أن “المصالحة بالنسبة لها ستشكل نهاية النظام الجزائري القائم”.
أما العامل الثاني فيتعلق بحاجة النظام العسكري الجزائري إلى عدو خارجي لإلهاء الرأي العام وشغله عن المطالبة بالإصلاحات السياسية، وأيضا لتبرير النفقات العسكرية. يشير نور الدين إلى أن ميزانية الدفاع الجزائرية “ستصل في ميزانية 2026 حوالي 25 مليار دولار كما تم الإعلان عنه هذا الشهر أكتوبر”، موضحاً أن “جزءاً من ميزانية الجيش تذهب إلى حسابات الجنرالات في سويسرا وفرنسا وإسبانيا وغيرها من البلدان التي يلجأ إليها الجنرالات بعد فرارهم أو تقاعدهم”.
العامل الثالث يتمثل في تخوف القيادة الجزائرية من حشرها في الزاوية الضيقة من طرف الوسيط الدولي. ويوضح نور الدين أن “من الأبجديات الدبلوماسية في المساعي الحميدة بين طرفين متنازعين أن يطلب الوسيط وقف الأعمال والتصريحات العدائية كخطوة أولى لبناء الثقة وإبداء النوايا الحسنة قبل الشروع في المفاوضات أو الوساطة”. ويفصّل الخبير في العلاقات الدولية ما يمكن أن يُطلب من الجزائر في أي وساطة: “وقف الحملات الدبلوماسية الجزائرية المعادية للمغرب، ومنع أي عمل مسلح للانفصاليين ينطلق من أراضيها ضد المغرب، وتجميد دعمها لميليشيات البوليساريو الانفصالية، ووقف تزويد الميليشيات الانفصالية بالسلاح، والامتناع عن تدريب عناصرها في الأكاديميات العسكرية الجزائرية، ووقف بث إذاعة الانفصاليين وتلفزيونهم من الجزائر، وربما طلب منها أيضاً التجاوب مع اليد الممدودة من ملك المغرب في خمسة خطابات رسمية لإنشاء آلية للحوار”.
يذهب نور الدين إلى أبعد من ذلك، مؤكداً أن الوساطة “ستسقط عن الجزائر القناع وستكشف نواياها السيئة وستظهر للعالم حقيقة سياستها العدوانية تجاه المملكة المغربية طيلة نصف قرن من الزمن”. ويضيف أنه “حتى لو لم يكن ملف الصحراء موجوداً فالجزائر كانت ستخلق ملفاً آخر لإدامة الصراع مع المغرب”، مستشهدا بـ”افتتاح مكتب سمته ‘سفارة جمهورية الريف’، واستقدام بعض المهربين والغوغائيين من هولندا لشغل السفارة وتقديم أموال البترودولار لهم للتحرك ضد المغرب في أوروبا والعالم”.
في ختام تصريحه لـ”بلبريس”، يطرح نور الدين رؤية صريحة للموقف المغربي المطلوب: “سنكون فعلاً مغفلين نحن المغاربة شعبا وحكومة إذا وافقنا على أي وساطة مع الجزائر لا يكون فيه شرط مسبق هو الاعتراف بمغربية الصحراء، قبل الخوض في أي مفاوضات للمصالحة”.
الوساطة السعودية المحتملة لا تعني حلا فوريا. المعوقات البنيوية التي يشير إليها المحللون، والتي تتجذر في عقيدة النظام الجزائري نفسه، تجعل أي مبادرة دبلوماسية محفوفة بالمخاطر. الجزائر تعتبر ملف الصحراء جزءاً من عقيدتها الوطنية، وأي تراجع علني مكلف سياسياً.
في المقابل، يصر المغرب على أن الحكم الذاتي سقف لا تنازل عنه بعد تراكم الاعترافات الدولية. إلى ذلك الحين، تبقى الرسائل المتزامنة من الرياض بمثابة اختبار لإمكانية إعادة إطلاق دينامية تفاوضية بين المغرب والجزائر، في قضية استعصت على الحل لعقود. لكن النجاح يبقى رهينا بإرادة سياسية جزائرية لا تبدو معالمها واضحة في الأفق المنظور، حسب قراءة الخبراء المتخصصين في الملف.