د. بلقاضي : جلالة الملك يضبط ايقاع الزمن السياسي والانتخابي في المجلس الوزاري

د. ميلود بلقاضي

 شكل المجلس الوزاري الأخير الذي ترأسه صاحب جلالة الملك بفاس الحدث، حيث صادق المجلس الوزاري على أربعة مشاريع قوانين تنظيمية أساسية مؤطرة لاستحقاقات الانتخابية المقبلة، تهدف بصفة عامة، إلى تطوير قواعد النظام الانتخابي،وتقوية الضمانات الانتخابية،وضبط قواعد استفادة الأحزاب السياسية من الدعم المالي، وتخليق العمليات الانتخابية، وتعزيز الشفافية المالية للحملات الانتخابية للمرشحين في سياق تعاني فيه الاحزاب السياسية من تيه سياسي عنوانه العريض اتساع الفجوة وفقدان الثقة بشكل رهيب بين المواطن والفاعل السياسي.

جلالة الملك بالمجلس الوزاري يحدد خارطة طريق الانتخابات المقبلة:

في الوقت الذي كانت فيه الأحزاب تعيش على إيقاع  تدبير ازماتها وصراعاتها الداخلية والاستعداد للانتخابات المقبلة من زوايا وحسابات سياسوية ضيقة جاء المجلس الوزاري للمصادقة على عدة مشاريع قانونية  تنظيمية مؤطرة للاستحقاقات الانتخابية المقبلة في سياق استثنائي.وقد شكلت مصادقة المجلس الوزاري على هذه المشاريع القانونية خارطة طريق للأحزاب السياسية وللحكومة وللبرلمان الامر الذي سيفرض عقد دورة استثنائية لمناقشة وللتصويت على هاته المشاريع التي من المنتظر ان تعرف تطاحنات كبرى بين الأحزاب والفرق البرلمانية خصوصا بين أحزاب التجمع الوطني للاحرار والبام والاستقلال من جهة وبين حزب العالة والتنمية من جهة أخرى  .

المجلس الوزاري من اللائحة الانتخابية الوطنية الى اللائحة الانتخابية الجهوية:

من اهم مستجدات مشروع القانون التنظيمي المتعلق بمجلس النواب هي تطوير الالية التشريعية المتعلقة بالتمثيلية النسوية من خلال تعويض الدائرة الانتخابية الوطنية بدوائر انتخابية جهوية، اعتبارا للمكانة الدستورية للجهة في التنظيم الترابي للمملكة. وقد جاء هذا التغير في ظل انتقادات فروع وقواعد الأحزاب السياسية في تمكينها من التعبير عن طاقاتها على الصعيد الجهوي، بدل استمرار تدبيرها على الصعيد المركزي ،وبحسب المذكرة التقديمية لهذا المشروع، فيتحدد المعيار الأول في عدد السكان، ويتحدد الثاني في تمثيلية الجهة اعتبارا للمكانة التي خولها الدستور للجهوية في التقسيم الترابي للمملكةوعليه فقد تم توزيع 90 مقعدا على صعيد الدوائر الانتخابية الجهوية على الشكل التالي: الدار البيضاء 12 مقعدا، و10 مقاعد لكل من فاس مكناس، والرباط سلا، ومراكش أسفي، و8 مقاعد لطنجة تطوان، و7 مقاعد لكل من الشرق، وبني ملال، وسوس، و6 مقاعد لدرعة، و5 مقاعد لكلميم والعيون، و3 مقاعد للداخلة.

 وبهذا التعديل وضع المجلس الوزاري نهاية حلم شبيبات الأحزاب السياسية  التي اعتادت الاستفادة من هذا الريع السياسي، وعليه فالكرة الان بملعب الأحزاب السياسية لكي لا تفسد اللوائح الانتخابية الجهوية كما افسدت اللوائح الانتخابية الوطنية .ومن المستجدات الهامة التي وردت في هذا المشروع التنصيص تنافي صفة برلماني مع رئاسة مجالس الجماعات التي يفوق عدد سكانها 300 ألف نسمة وهو قرار سياسي شجاع لعقلنة الانتدابات الانتخابية ليختار الفاعل السياسي بين مهمة برلماني اوبين مهمة رئيس مجلس جماعة يجب ان  يفوق عدد سكانها 300 ألف نسمة .

المجلس الوزاري  يقوي تمثيلية المنظمات المهنية للمشغلين بمجلس المستشارين:

عمل مشروع القانون التنظيمي  المتعلق بمجلس المستشارين الى ادخال تعديلات عليه وبالخصوص الحفاظ للمنظمات المهنية للمشغلين الأكثر تمثيلية على فريق برلماني خاص بها داخل المجلس، وذلك بهدف تمكينها من التعبير عن انشغالات ومطالب الفاعلين الاقتصاديين والمقاولات الوطنية الكبرى والمتوسطة والصغرى للترافع والدفاع عن المشتغلين وتمكينهم في التمكين الحقوقي والقانوني كآليتين من آليات الحكامة الاجتماعية والحكامة الاقتصادية في انتظار انزال النموذج التنموي الجديد على ارض الواقع  .

المجلس الوزاري يخصص ثلث المقاعد للنساء في كل مجلس عمالة أو إقليم:

انسجاما مع توجيهات جلالة الملك الداعمة لتوسيع حضور المرأة في الهيئات التمثيلية عمل مشروع القانون التنظيمي  المتعلق بانتخاب أعضاء مجالس الجماعات الترابية على ضبط مسطرة الترشح لانتخابات مجالس العمالات والأقاليم، وإقرار آلية لضمان التمثيلية النسوية فيها، عن طريق تخصيص ثلث المقاعد للنساء في كل مجلس عمالة أو إقليم، وكذا الرفع من عدد المقاعد المخصصة للنساء في المجالس الجماعية،ومن دون شك فهذا الرفع من تمثيلية النساء داخل مجالس العمالات والاقاليم سيواجه تحديات ثقافية وسياسية وفي مقدمتها نرجسية العقلية الذكورية.  

المجلس الوزاري يحدد الجماعات التي ستخضع لنمط الاقتراع باللائحة:

حدد مشروع القانون التنظيمي السالف الذكر عدد الجماعات التي ستخضع لنمط الاقتراع باللائحة، وذلك من خلال الرفع من عدد السكان المطلوب لتطبيق نمط الاقتراع المذكور من 35 ألف إلى 50 ألف نسمة الامر الذي سيحد من هيمنة الاحزاب الكبرى  على المجالس الجماعية خصوصا بالنسبة لحزب العدالة والتنمية.

المجلس الوزاري والرفع من مبلغ الدعم العمومي الممنوح للأحزاب:

من اهم مشاريع القوانين التنظيمية التي صادق هذا المجلس هو مشروع القانون التنظيمي المتعلق بالأحزاب السياسية الذي يروم تفعيل تعليمات صاحب جلالة الملك السامية بخصوص الرفع من مبلغ الدعم العمومي الممنوح للأحزاب، قصد مواكبتها، وتحفيزها على تجديد أساليب عملها، بما يساهم في الرفع من مستوى الأداء الحزبي ومن جودة التشريعات والسياسات العمومية، مع تخصيص جزء من الدعم العمومي لفائدة الكفاءات التي توظفها في مجالات التفكير والتحليل والابتكار. فهل ستكون الأحزاب في مستوى هذا القانون خصوصا وان مسالة علاقة المال بالسياسة هي علاقة معقدة وملوثة حتى بالدول الديمقراطية.

 مشاريع القوانين التنظيمية للانتخابات المقبلة تتجاهل قضية القاسم الانتخابي:

لاحظ الكل كيف سكتت مشاريع القوانين التنظيمية الانتخابات المقبلة على قضية القاسم الانتخابي الذي بلقن الأغلبية الحكومية والبرلمانية، وهو ما يعني ان الحكومة تريد ان ترمي هذه القضية الى البرلمان قصد الحسم فيه وسط تشبت  كل أحزاب الأغلبية والمعارضة بهذا المبدأ  مقابل رفضه الثابت من طرف البيجيدي الذي شن حملة اتهام ضد وزارة الداخلية، معتبرا أن نقاش القاسم الانتخابي بناء على عدد المسجلين باللوائح الانتخابية هو  نقاش فارغ هدفه الخوف من هيمنة البيجيدي ، وسيحول العملية الانتخابية إلى توزيع للمقاعد بين الأحزاب المشاركة بالتساوي وبدون منافسة، مما يضرب أساس العملية الديمقراطية وهي التنافس.

بعد مصادقة المجلس الوزاري الأخير على كل هاته المشاريع  القانونية التنظيمية للانتخابات المقبلة والتي تعد بحق احدى اليات ترسيخ حكامة انتخابية، فانه من المتنظر ان يعود للواجهة قضايا التعاقد الجديد بين الدولة والأحزاب من جهة وبين المواطن والاحزاب، لان التنزيل السليم من طرف الدولة والأحزاب  لهذه المقتضيات القانونية يعد من أهم المداخل لترسيخ دولة الحق والقانون والمؤسسات، إضافة الى ضرورة وعي كل الفاعلين بأن العملية الانتخابية ليست عملية تقنية وقانونية يقوم بها خبراء وزارة الداخلية، وإنما هي  عملية سياسية بامتياز تتطلب إرادة سياسية قوية من طرف الدولة والأحزاب السياسية .

رئيس المرصد المغربي للدراسات الاستراتيجية والسياسية