أكد الملك محمد السادس في خطاب الذكرى 26 لعيد العرش اليوم الثلاثاء 29 يوليوز 2025، على أن النجاحات التي حققها المغرب لم تأت صدفة بل هي نتاج رؤية استراتيجية واختيارات تنموية كبرى، وهي الرؤية التي حللها الخبير الاقتصادي رشيد ساري في حديثه مع بلبريس، معتبرا أن الخطاب يحمل طابعا جديدا يجمع بين استعراض الإنجازات المحققة وتقديم مبادرات جديدة لتحقيق التنمية المجالية الشاملة.
في المحور الاقتصادي، أبرز الخطاب الملكي النهضة الصناعية غير المسبوقة التي أدت إلى مضاعفة الصادرات الصناعية منذ عام 2014، مؤكدا على مكانة المغرب كشريك اقتصادي موثوق ومنصة استثمارية هامة.
ويتفق رشيد ساري، رئيس المركز الإفريقي للدراسات الاستراتيجية والرقمنة، مع هذا الطرح، مشيرا إلى أن الاقتصاد الوطني حافظ على بريقه وصمد في وجه الإكراهات كالجفاف والتوترات الخارجية.
وأوضح ساري أن هذا النمو جاء بفضل تنمية قطاعات واعدة كصناعة السيارات والطاقات المتجددة وصناعة الطائرات والصناعات الغذائية، مما ساهم في انتقال الاقتصاد المغربي من الاعتماد على القطاعات التقليدية إلى اقتصاد متنوع ومستدام.
وعلى الصعيد الاجتماعي، شدد الملك على أن الهدف الأسمى من التقدم الاقتصادي هو تحسين ظروف عيش المواطنين، مستشهدا بالإنجازات الملموسة كتراجع نسبة الفقر من 11.9 بالمائة سنة 2014 إلى 6.8 بالمائة سنة 2024، وبلوغ المغرب فئة التنمية البشرية العالية. وهو ما اعتبره الخبير ساري مؤشرا على أن المغرب منسجم تماما مع أهداف النموذج التنموي الجديد، واصفا التنمية البشرية المحققة بأنها “عالية الجودة”.

لكن النقطة المحورية التي حملت طابعا جديدا في الخطاب، حسب تحليل ساري، هي رفض الملك القاطع لاستمرار التفاوتات بين المناطق، وتأكيده أنه “لا مكان اليوم ولا غدا، لمغرب يسير بسرعتين”.
هذه الدعوة الملكية إلى “إحداث نقلة حقيقية” في التأهيل الترابي تأتي، حسب ساري، كإقرار بوجود مناطق لم تستفد من التنمية بنفس القدر، وإطلاق لمبادرة “تنمية مجالية بمفهوم جديد”.
ويشرح ساري أن هذه الرؤية الجديدة للعدالة المجالية والترابية ترتكز على أسس واضحة هي: تقوية الجهوية المتقدمة، تعزيز الحماية الاجتماعية، رفع نسبة التشغيل، وتحقيق الإنصاف والتضامن بين الجهات. الهدف هو أن تتمتع جميع المناطق بنفس الإمكانيات والامتيازات، وأن يشعر كل مواطن مغربي بثمار التقدم والرفاهية التي يطمح إليها الملك.
واختتم ساري تحليله بالقول إن خطاب العرش يستعرض ما تم إنجازه بفخر، ويقدم في الوقت نفسه اقتراحات عملية للمستقبل، ترتكز على إشراك الجميع في ورش النهضة المجالية، لبناء مغرب جديد يحترم كرامة العيش ويضمن الرفاهية لجميع أبنائه دون استثناء.