هل تطيح تسريبات المهدوي بلجنة الاخلاقيات في مجلس الصحافة ؟

التسريب الذي بثه حميد المهدوي مساء الخميس الماضي،أعاد مساءلة جدية حول واقع التنظيم الذاتي للصحافة في المغرب.

فالمتتبع لما جرى خلال الأيام الأخيرة من تداعيات يلاحظ أن القطاع دخل مرحلة دقيقة تتقاطع فيها أزمة الثقة مع فراغ قانوني يخص اللجنة المؤقتة لتسيير المجلس الوطني للصحافة بعد انتهاء مدة التمديد لها في أكتوبر دون صدور قرار رسمي يعيد تأهيلها أو يجدد ولايتها. هذا الوضع يضع كل قراراتها وإجراءاتها في دائرة التشكيك قبل اندلاع الجدل حول مضمون التسريب نفسه.

وسط هذا السياق الملتهب، انقسم النقاش حول خطوة المهدوي بين من يرى أنه أخطأ ببث التسجيل لكونه طرفا معنيا بملف تأديبي وما كان عليه خرق مسطرة التحفظ، وبين من يعتقد أنه تصرف كناشر حصل على مادة تتضمن تجاوزات خطيرة تمس حياد جلسة يفترض فيها احترام ميثاق الأخلاقيات.

هذا الانقسام يعكس غياب آلية واضحة لحماية حقوق الصحافي من جهة وضمان استقلالية اللجنة من جهة أخرى، فالمضمون المتداول في التسجيل كان العامل الحاسم في قرار النشر، حيث ذهبت بعض الآرء إلى القول:  إن الجلسة لو كانت مهنية، لغتها متزنة ومراعية للحياد، لما توفرت القيمة الإخبارية التي تبرر بثها.

ويرى المنتصرون لقرار النشر أن ما ظهر من قذف ولغة غير لائقة وإشارات إلى انحياز محتمل جعل المهدوي يرى في الفيديو مادة تستحق الكشف، خاصة أنه يتعلق بمسار قد يحدد مستقبله المهني.

هنا تتداخل وظيفة الصحافي مع موقعه كطرف في قضية، وهو تداخل حساس لكنه غير جديد في تجارب الصحافة عبر العالم، عندما يشعر الصحافي أن الضمانات الأخلاقية في المسطرة معرضة للاختلال.

بلاغ النقابة الوطنية للصحافة تحدث عن معطيات تمس الكرامة وتنال من التنظيم الذاتي. تصريحات فاعلين سياسيين وهيئات حزبية ذهبت في الاتجاه نفسه، معتبرة أن ما جرى يستدعي فتح تحقيق مستقل وإعادة تقييم بنية اللجنة ومسطرة عملها، خصوصا أن استمرار هيئة مؤقتة خارج إطار قانوني واضح يضر بشرعية قراراتها ويزيد التوتر داخل الجسم المهني.

هذه التطورات تضع المنظومة برمتها أمام لحظة مفصلية. فالتنظيم الذاتي لا يقوم فقط على النصوص، بل على شرعية أخلاقية وثقة مهنية. وعندما تهتز هذه العناصر مجتمعة، يصبح إصلاح الهيكلة وإعادة بناء المؤسسات أمرا لا مفر منه.

التسريب أظهر أن الخلل لم يعد معزولا أو إجرائيا، بل دخل صلب العلاقة بين الصحافيين والهيئة المكلفة بحماية أخلاقيات المهنة، خاصة وأن ازيد من 200 صحافي وقعوا على عريضة تطالب بحل المجلس وعددهم في تزايد.

خلاصة ما جرى تؤكد أن الأزمة ليست في التسريب فقط، بل في التوقيت والسياق وفي هشاشة الإطار القانوني الذي تشتغل فيه اللجنة المؤقتة.

وبينما يختلف المهنيون حول خطوة المهدوي، يتفق أغلبهم على أن استمرار الوضع الحالي غير ممكن، وأن استعادة الثقة تقتضي أولا تحقيقا واضحا، وثانيا إعادة بناء المسار التنظيمي على قواعد شفافة تعيد الاعتبار لميثاق الأخلاقيات وللمهنة نفسها، بينما يترك هذا الوضع المأزوم تساؤلات عالقة تظر أجوبته مع توالي الأيام، من قبيل ما “إن كان هذا التسريب سيطيح برؤوس لجنة الأخلاقيات وباللجنة المؤقتة بأكملها وإزاحتهم من المشهد الإعلامي بصفة نهائية، أم أن ما تسرب، رغم الإجماع على فظاعته، لن يعدو أن يكون سحابة صيف عابرة لن تحرك حراس المعبد القديم من مواقعهم؟

المقالات المرتبطة

أضف رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *