تعديلات قانون المالية 2026 بين الطموح الإصلاحي ورهانات الاقتصاد

قانون المالية لسنة 2026 لا يأتي في فراغ، بل يطل في سياق وطني ودولي متشابك: ضغوط مالية متزايدة، تحديات الاستثمار، وحاجة ملحة لإعادة بناء الثقة بين الدولة والملزمين. التعديلات المقترحة تكشف عن إرادة لتصحيح بعض الأعطاب البنيوية، لكنها في الوقت نفسه تطرح أسئلة جوهرية حول مدى انسجامها مع رؤية شمولية للإصلاح الجبائي والاقتصادي.

1. الإعفاءات على أموال الاستثمار: بين التشجيع والانتقائية

– التعديل الذي يعفي طلبات الاستفادة من واجبات التسجيل والرسوم العقارية يهدف إلى تخفيف الكلفة الإجرائية على المستثمرين.
– من الناحية الاقتصادية، هذا الإجراء يعزز جاذبية الاستثمار، خصوصاً للشركات الناشئة، لكنه يظل محدود الأثر إذا لم يقترن بتبسيط المساطر الإدارية وتوفير ضمانات قانونية واضحة.

– استراتيجياً، يبعث رسالة ثقة للمستثمرين المحليين والدوليين، لكنه يحتاج إلى إطار مؤسساتي يضمن الاستدامة ويمنع أي استعمال انتقائي أو بيروقراطي.

2. توسيع الإعفاءات للقطاع التعليمي والتكوين المهني

– إدراج المؤسسات الخاصة وحاملي شهادات التكوين المهني ضمن دائرة المستفيدين يعكس وعياً بأهمية الرأسمال البشري كرافعة للتنمية.
– غير أن النقد يوجه هنا إلى غياب رؤية متكاملة: هل هذه الإعفاءات جزء من سياسة وطنية لإصلاح التعليم والتكوين، أم مجرد إجراء جبائي معزول؟
– البعد الاستراتيجي يتطلب ربط هذه التحفيزات ببرامج تشغيل الشباب، وإلا ستظل مجرد امتيازات مالية دون أثر ملموس على سوق العمل.

3. الشركات “النائمة” وتسوية وضعيتها

– تمديد أجل التسوية للشركات غير النشيطة حتى 2026 خطوة عملية، بالنظر إلى العدد الكبير (أكثر من 225 ألف شركة).
– اقتصادياً، هذا الإجراء يخفف الضغط على الإدارة ويمنح فرصة لإعادة إدماج هذه الكيانات في الدورة الاقتصادية.
– لكن استراتيجياً، يطرح سؤال الثقة: هل يكفي الإعفاء من المراقبة والغرامات لإحياء هذه الشركات، أم أن الأمر يتطلب سياسة أعمق لدعم المقاولات الصغيرة والمتوسطة وإعادة هيكلتها؟

4. إدماج القطاع غير المهيكل: بين الطموح والواقعية

– التعديل الذي يفرض على الملزمين الجدد التصريح بالمخزون ابتداء من يناير 2026 يمثل محاولة جريئة لإدماج القطاع غير المهيكل.
– اقتصادياً، هذا يوسع الوعاء الضريبي ويعزز العدالة الجبائية.
– استراتيجياً، هو رهان على بناء الثقة: إذا رافقته حملات تحسيسية وإجراءات دعم، يمكن أن يشكل نقطة تحول في علاقة الدولة بالقطاع غير المهيكل. أما إذا اقتصر على الجانب الزجري، فقد يؤدي إلى عزوف أو مقاومة.

5. التسوية الطوعية وتجديدها حتى 2026

– تمديد عمليات التسوية الطوعية يعكس إدراك الدولة أن الانخراط في الإصلاح يحتاج إلى وقت وإقناع.
– اقتصادياً، يوفر موارد إضافية للخزينة ويمنح الملزمين فرصة لتصحيح وضعياتهم.
– استراتيجياً، هو اختبار لمدى قدرة الإدارة على التواصل الفعال مع المواطنين، وتحويل هذه التسوية من مجرد إجراء مالي إلى ثقافة امتثال ضريبي.
تعديلات قانون المالية 2026 تحمل في طياتها إشارات إيجابية: دعم الاستثمار، تشجيع التعليم والتكوين، معالجة الشركات النائمة، ومحاولة إدماج القطاع غير المهيكل. لكنها في المقابل تكشف عن ثغرات في الرؤية الشمولية: غياب الربط بين الإجراءات الجبائية والسياسات الاقتصادية الكبرى، وضعف البعد المؤسساتي في ضمان الاستدامة.

إن النقد البنّاء هنا لا يرفض هذه التعديلات، بل يدعو إلى تحويلها من مجرد نصوص قانونية إلى مشروع وطني للإصلاح الجبائي والاقتصادي، حيث تصبح الضريبة أداة للثقة والتنمية، لا مجرد عبء أو امتياز ظرفي.

المقالات المرتبطة

أضف رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *