قال رشيد ساري، الخبير الاقتصادي ورئيس المركز الإفريقي للدراسات الإستراتيجية والرقمنة، إنه يبدو أن مشروع قانون المالية تم إعداده أو تغييره في اللحظات الأخيرة، خاصة بعد خطاب العرش.
وأوضح ساري في حديث مع بلبريس، أنه من الملاحظات الأولية، سيتم توجيه نسبة ستين في المئة من الاستثمار العمومي للمجال القروي والمناطق الجبلية، وهو ما يتماشى مع ما جاء به الخطاب الملكي لمحاربة الهشاشة، خاصة وأن الفقر متمركز بشكل كبير في العالم القروي، وهذا يدخل في إطار التأكيد على أن المغرب لا يجب أن يسير بسرعتين.
وأضاف أنه كملاحظة ثانية، هناك استكمال لمخطط الحماية الاجتماعية الذي سيصل إلى أفقه النهائي في عام 2026، إلى جانب تخصيص ميزانية مهمة للمشاريع المتعلقة بالماء ومواجهة الإجهاد المائي في إطار الاستراتيجية المائية الوطنية. وبهدف محاربة الهشاشة، تمت ملاحظة تخصيص ميزانية لشبكة الطرق القروية ودعم النقل المدرسي والصحة في المناطق النائية.
وأشار ساري إلى أن الحديث عن إحداث 150 ألف منصب شغل يطرح تساؤلات حول استراتيجية الشغل التي كانت تهدف لخلق عدد أضخم، مما يعني أن باقي المناصب سيتم خلقها من طرف الحكومات المتعاقبة.
واعتبر الخبير الاقتصادي ذاته، أن هناك فشلا للحكومة الحالية في خلق مناصب الشغل، وأن الحديث عن دعم المقاولة الصغيرة والمتوسطة بنسبة عشرين في المئة من ميزانية الاستثمار هو نفس الخطاب الذي نسمعه مع كل حكومة متعاقبة.
وأكد أنه حتى الآن، توجد عراقيل تمنع المقاولات من الاستفادة، ويبدو أننا نسير في نفس السيمفونية المعتادة، حيث يوضع الهدف ولكن لا يتحقق على أرض الواقع.
وشدد على أن هذا الإشكال لا يتعلق فقط بحكومة عزيز أخنوش، بل كان قائما حتى مع حكومة العدالة والتنمية وولايتيها، والحكومات التي سبقتها.
وتطرق الخبير الاقتصادي إلى مسألة إصدار سندات خضراء لتمويل المشاريع المستدامة، معتبرا إياها أمرا جديدا يتماشى مع الإكراهات التي تفرضها التقلبات المناخية الصعبة.
وقال إن تحديد معدل نمو متوقع في حدود 4.5 في المئة يمكن الوصول إليه، على اعتبار أن المغرب اليوم أصبح ورشا كبيرا يتسع لمجموعة من المشاريع التي ستخلق فرص الشغل، مما سيقلل من حدة إشكال البطالة من اليوم إلى عام 2029.
وأوضح ساري أن هذا النمو ليس مرتبطا بسياسة الحكومة الحالية، بل بسياسة الدولة التي أطلقت أوراشا كبرى مثل كأس العالم، والتي ستستوعب مناصب شغل كبيرة في قطاع البناء والأشغال العمومية، إضافة إلى قطاعات أخرى كالسيارات والطاقات المتجددة والصناعة والسياحة.
ويرى أن هذه القطاعات ستساهم في تحقيق معدل النمو المتوقع، بل وربما ارتفاعه أكثر بحلول عام 2029.
ومع ذلك، دعا ساري إلى أخذ هذا التفاؤل بعين الحذر، وألا تبني الحكومة سياساتها عليه، معتبرا أن الحكومة الحالية محظوظة لأن المغرب أصبح ورشا كبيرا.
وقال في هذا السياق إنه يجب الاعتراف بأن هذا النمو الاقتصادي مرهون بسياسة الدولة وليس بالحكومة. وتساءل: “الامتحان الحقيقي الذي يجب أن نفكر فيه جيدا هو: ما هي معدلات النمو التي سنحققها بعد سنة 2029؟”.
وفي ختام تحليله، تطرق ساري إلى عجز الميزانية والمديونية، قائلا إنه بالرغم من إمكانية التحكم في العملية النقدية والمالية، يجب الحذر من وتيرة المديونية التي لا تتماشى مع ما يحققه المغرب من ناتج داخلي خام.
وأكد ساري في ختام حديثه أن هذه المديونية لا توظف كلها في الاستثمار، فجانب منها يوجه لبرامج تصحيحية وآخر للحماية الاجتماعية، وإذا كان هناك شطر يذهب للاستثمار، فهنا فقط تكون للمديونية قيمة مضافة حقيقية.