من له مصلحة في تأجيج الصراع بقطاع الصحافة تزامنا مع تنظيم “CAN”؟

يعيش المشهد الإعلامي بالمغرب، منذ أشهر عديدة،  على وقع احتقان شديد، بعد انتهاء ولاية المجلس الوطني للصحافة، واشتغال اللجنة المؤقتة لتسيير قطاع الصحافة، والتمديد لها مرتين، قبل أن ينتهي هذا التمديد في أكتوبر المنصرم.

هذا الاحتقان عرف ذروته، بل تأجج بعد ترسيبات فيديو بثها الصحفي حميد المهداوي على قناته، والتي نقل فيها جزءا من مناقشات لجنة الأخلاقيات باللجنة المؤقتة لتسيير قطاع الصحافة، وهو التسريب الذي أثار ضجة واسعة امتد صداها إلى خارج المغرب.

وأحدث التسريب المذكور رجة كبيرة داخل الجسم الصحفي، بين من “اتهم لجنة الأخلاقيات بـ”التآمر على المهداوي وباقي الصحفيين الذين يغردون خارج السرب”، فيما اعتبر آخرون أن ما حدث بلجنة الأخلاقيات “حدث معزول في حالة المهداوي نظر لترابط ملفه مع حزازات بينه وبين المشرفين على لجنة الأخلاقيات، والتي اعتبر الكثيرون أنهم نسفوا الأخلاق في جلسة “التشيطين” التي تسربت في فيديو المهداوي”.

هذان التياران، مثلهما كل من رئيس لجنة البطاقة المهنية قي المجلس الوطني للصحافة، عبد الله البقالي، الذي خرج في فيديو توضيحي عقب تسريب الفيديو المعلوم، وأكد على اصطفافه إلى جانب المهداوي، مشيرا إلى انه “المهداوي كان ضحية استهداف”، أو تآمر بصيغة أخرى، منوها بدور اللجنة وعملها طيلة مدى اشتغالها”.

وفي المقابل خرج يونس مجاهد رئيس اللجنة المؤقتة لتسيير شؤون الصحافة، للرد على البقالي والتأكيد على أن ما قاله الأخير “يحمل الكثير من المغالطات”، وأن ملف المهداوي “لا يعدو كونه ملفا عاديا بين مئات الملفات التي صدر في حقها سحب البطاقة والتوقيف والتجميد وغيرها من القرارات، منوها بالدور الذي لعبه المجلس اللجنة المؤقتة في تدبير القطاع”، معتبرا أن “ما حدث في الفيديو المسرب لا يمكن قيساه على عمل اللجنة ككل”.

بعد كل الصخب الذي أثارته هذه الردود، جاء الدور على مائدة مصغرة في برنامج “مباشرة معكم جمع فيها الزميل جامع كلحسن كلا من  وزير الثقافة والشباب والتواصل، محمد المهدي بنسعيد، وعبد الله البقالي، رئيس لجنة البطاقة في اللجنة المؤقتة لتسير شؤون الصحافة، وقابلهما عبد الكبير اخشيشن، رئيس النقابة الوطنية للصحافة المغربية، ومحتات الرقاص رئيس الفدرالية المغربية لنشاري الصحف، في حوار الاربعاء 10 دجنبر 2025.

هذا اللقاء الحواري بدا ساخنا شكلا، لكن مضمونه انصب على الشخصنة وتفريغ النقاش من محتواه، كما وصفه متابعون، حيث افتقر إلى طرح معطيات دقيقة وحلول عملية للأزمة التي يعيشها الجسم الصحافي الذي بات يعاني من ويلات “اللاتنيظم”، في ظل جمود الهياكل في انتظار ما سيؤول إليه نقاش قانون إعادة تنظيم الجلس الوطني للصحافة الذي ينتظر مصادقة مجلس المستشارين.

النقاش الذي كان ينتظر منه الجسم الصحافي أن يخرج بتوصيات وحلول عملية ومقترحات جديدة، لم يطرح جديدا لتجاوز حالة الركود في القطاع، والخلافات المتعلقة بتمثيلية الصحافيين والناشرين، وغيرها من البنود التي يرى فيها المهنيون “إجهازا على حرية التعبير وتقزيما لدور الصحفيين في المجلس الوطني للصحافة وما قد يترتب على ذلك.

تم اخراج  هذا النقاش على شكل  مواجهات بين مؤسسات ومسؤولين وصحافيين  في زوايا غامضة لا تُقال الأشياء فيها كما هي،اختزلت فيه الصحافة في مواجهات شكلية  وداخل حسابات نفوذ دقيقة بعيدة عن التحديات الحقيقية للصحافة والاعلام في زمن مجتمعات المعرفة والاعلام،

وقد توفقت الصحافية ميمونة الحاج الداهي المتألقة حين ما كتبت :

”أكثر ما يقلقني ليس حدة الصراع إنما يخيفني تطبيعه..أن نُقنع أنفسنا بأن ما يحدث اختلاف صحي وأن نُلبسه اسم النقاش بينما هو في جوهره معركة على السلطة داخل المهنة. النقاش يبحث عن حل، عن صيغة مشتركة، عن حد أدنى من الاتفاق. أما ما نعيشه اليوم فيبحث عن الحسم أو عن إنهاك طويل يجعل العودة إلى طاولة واحدة أمرا بالغ الصعوبة.

لا أكتب هذا من موقع البراءة ولا من شرفة أخلاقية عالية..أبدا،، أكتبه لأنني أرى المهنة تُستنزف في معارك لا تُبقي لها وقتا للتفكير في نفسها ولا طاقة لتجديد أدواتها أو ترميم صورتها. في الحروب قد يربح البعض جولة أو موقعا لكن المهنة وحدها تخسر دائما، وتخرج مثقلة بالشكوك والكسور.

وحين تنتهي هذه الجولات أو تهدأ مؤقتا، نكتشف أن ما انتصر لم يكن الصحافة بل الفراغ. فراغ الثقة وفراغ المعنى وفراغ القدرة على الاختلاف دون تدمير الذات. عندها فقط ندرك أن أخطر ما في هذه الحرب ليس قسوتها فقط و لكن لأن نتيجتها ستكون منتصر يفرض شروطه و مهزوم يخضع لها..الصحافة وطن أول فصل في دستوره لا حاكم ولا محكوم و للأسف الآن تشهد عهدا أفقدها سيادتها….”

هذا الشد والجذب بين الحكومة والهيئات المهنية في قطاع الصحافة جعل مستقبل المجلس الوطني والتنظيم الذاتي للقطاع في “كف عفريت”،  ما يجعلنا أمام تساؤلات جوهرية، من قبيل من له المصلحة في تأجيج هذه التجاذبات على بعد أيام قليلة من انطلاق حدث قاري سيحتضنه المغرب، كأس أمم إفريقيا 2025، والذي يفترض أن يكون فيه الجسم الصحفي على أتم الاستعداد، بدل أن يجد المهنيون أنفسهم في فراغ مهني وقانوني عندما تنتهي بطائقهم المهنية مع نهاية دجنبر 2025، وشغور دور المجلس الوطني للصحافة واللجنة المؤقتة لتدبير القطاع التي انتهى التمديد لها.

امام هذا الوضع غير الطبيعي تفرض اسئلة حارقة نفسها:

هل هذه المؤسسات وهؤلاء المسؤولين هم ما سياهمون في تشييد المغرب الصاعد ، ومغرب ما بعد 31 اكتوبر الذي دعا اليه صاحب الجلالة ؟؟ وكيف لهذا المغرب الصاعد النجاح دون توفره على مؤسسات اعلامية مهنية قوية ومسؤولين محترفين ؟ وهل تأجيج حقل استراتيجي في زمن تنظيم المغرب كاس اللامم الافريقية أمر عادي؟؟

المقالات المرتبطة

أضف رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *