انتخابات 2026 بين إرادة الدولة وتخاذل الأحزاب

للانتخابات الديمقراطية في كل دول العالم أهمية قصوى ،كونها تمنح للشعوب حق انتخاب ممثليهم في المؤسسات التشريعية والتنفيذية، والتداول السلمي على السلط ، وتجديد الشرعية للحكومات، وترسيخ مبادئ ربط المسؤولية بالمحاسبة والاحتكام لقيم الديمقراطية التشاركية.

 

د. ميلود بلقاضي

لهذا، تتفق كل نظريات العلوم السياسية علِى ان الانتخابات الديمقراطية هي عماد الأنظمة الديمقراطية،- وان كانت ليست الوحيدة-، لأنها تضمن مبدأ التمثيل، وتسمح بالمحاسبة، وتوفر الاستقرار ، وتحقق الرفاهية ،وتضمن الحريات والحقوق للأفراد والجماعات.

واقتناعا بهذه القيم ،ما فتئ جلالة الملك محمد السادس يدعو الأحزاب السياسية باستمرار إلى الالتزام بنزاهة الانتخابات،مؤكدًا أن البرلمان هو “القلب النابض للديمقراطية” وأنه ”يجب على الأحزاب احترام الناخب وتقديم برامج واضحةوصادقة، واختيار الأجدر لتحمل أمانة المسؤولية، والابتعاد عن المزايدات السياسية وإفساد المسار الديمقراطي، وضرورة بناء مؤسسات قوية تخدم المواطن وتدافع عن قضايا الوطن”. لذلك ، يدعو جلالة الملك الأحزاب السياسية  لضرورة دمقرطة الفعل الانتخابي لانتخاب نواب الامة بالبرلمان الذي يعتبره جلالته “أرفع تعبير عن الإرادة الشعبية” وأنه أساس الدولة القوية.

لكن، رغم توفر إرادة الدولة ،وحث جلالة الملك الأحزاب السياسية الالتزام بمبادئ الديمقراطية ، والتشبث بنبل العمل السياسي، ونبذ الممارسات السياسوية ،واعتبار الانتخابات وسيلة وليست غاية بحد ذاتها، لإقامة مؤسسات ذات مصداقية، فالمهتم بالشأن السياسي يلاحظ ان سلوك وممارسات الأحزاب السياسية زمن الانتخابات ما زالت بعيدة للالتزام بهذه القيم والأفكار الملكية النبيلة.

وهذا ما يدفعنا للقول ، قد تتغير القوانين المنظمة للانتخابات ، وتتغير الحكومات التي تسهر على تنظيمها ، ويتغير وزراء الداخلية الذين يدبرونها،وتتغير فئات الناخبين والأجيال ، وتتغير تحديات وسياقات كل انتخابات ، لكن ممارسات الأحزاب ، وعقليات قادتها ، وكيفية اختيار وتزكية مرشحيها تبقى ثابتة، لا تتغير همها الوحيد هو الفوز بالمقعد باي وسيلة.

لذلك، نجدها تردد شعارات تخليق الحياة السياسية ومحاربة الفساد الانتخابي ، لكنها على أرض الواقع تعيش في مستنقعات الفساد والإفساد، والمس بنبل العمل السياسي; وإفساد كل ما هو انتخابي.

وهذا ما تجسده تعديلات وردود فعل جل الأحزاب السياسية على بلاغ المجلس الوزاري الذي  ترأسه الملك محمد السادس يوم 19 أكتوبر 2025، حيث صادق خلاله على مشاريع قوانين تنظيمية جديدة تهدف إلى تخليق الحياة السياسية وتعزيز نزاهة المسار الانتخابي استعدادا للاستحقاقات المزمع إجراؤها سنة 2026..

بلاغ الديوان الملكي جاء واضحا في رغبة الدولة في جعل الانتخابات التشريعية المقبلة فرصة لترسيخ ثقافة النزاهة في العمل السياسي، حيث أولت مشاريع القوانين أولوية خاصة لاستبعاد كل مترشح لا يستجيب لمعايير الاستقامة والنزاهة قبل خوض العملية الانتخابية، وإقرار عقوبات مشددة بحق كل من يثبت تورطه في مخالفات انتخابية، سواء عبر شراء الذمم أو المساس بحرية الاختيار، بما يشمل زيادة مدد العقوبات الحبسية والغرامات المالية لضمان ردع فعلي يحمي إرادة الناخبين ويصون مصداقية الانتخابات.

وفي نفس السياق ، أشار البلاغ  أن هذه المقتضيات تعكس موقف الدولة الواضح والراسخ في جعل سياق الانتخابات التشريعية  لسنة  2026 عرسا ديمقراطيا ، وتؤكد بأن المسار الانتخابي يجب أن يكون شفافا ومسؤولا في كل مراحله، من الترشح إلى الإعلان عن النتائج، بما يعزز الثقة بين المواطن والمؤسسات ويعيد الاعتبار لقيمة الالتزام والمسؤولية في العمل السياسي.

لكن ،مقابل وضوح إرادة الدولة في جعل النزاهة الانتخابية واجبا وليس خيارا ، جاءت ردود واقتراحات الاحزاب السياسة فضفاضة وبصياغة لغوية خشبية ، وكأن إفساد العمليات الانتخابية تجري في عالم آخر،يقوم بها فاعلون آخرون يعيشون في كوكب آخر، الامر الدي يوحي بأن الأحزاب باتت جزءا من المشكلة … والإصلاح يجب ان يبدأ من داخلها.

وعليه،يدرك العارف بطبيعة النظام السياسي المغربي ، ان الدولة المغربية عندما تحقيق أي تحقيق او أي اصلاح ، فانها تخلق له شروطه الذاتية والموضوعية وآليات تحقيقه، وهذا ما أكد عليه لفتيت وزير الداخلية خلال اجتماع لجنة الداخلية والجماعات الترابية والسكنى وسياسة المدينة بمجلس النواب،قائلا: “أبرز التحديات الكبرى التي يتعيّن رفعها بمناسبة الانتخابات المقبلة لمجلس النواب تلك المتعلقة بإرساء القواعد الكفيلة بتخليق الحياة السياسية والانتخابية الوطنية بكيفية نهائية”،مشددا على ان: “تحقيق هذه الغاية يشكل قناعة تتقاسمها جميع الأطراف المعنية بهدف صيانة سمعة المؤسسة النيابية أمام الرأي العام الوطني وكذا على المستوى الدولي، وذلك في سياق تصوّر شمولي يستحضر مستوى النضج الذي بلغته التجربة المغربية في تدبير العمليات الانتخابية”.

فهل ستكون انتخابات  2026 في مستوى تحديات مغرب ما بعد 31 كما جاء في الخطاب الملكي بمناسبة  القرار الاممي  رقم   27- 97المتعلق بالسيادة المغربية على صحراءه ام ستكون تكرارا للتجارب السابقة؟؟

وفي هذه الحالة يمكن ان تكون الضريبة غالية للمغرب داخليا وخارجيا.

المقالات المرتبطة

أضف رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *