جدري: قانون مالية 2026 يوازن بين الاستثمار والدولة الاجتماعية

قال الخبير الاقتصادي محمد جدري إن الخطوط العريضة لقانون المالية لسنة 2026 لا يمكن النظر إليها كأي مشروع عادي، بل باعتباره آخر قانون مالية للحكومة الحالية التي تقترب ولايتها من نهايتها. وبالتالي فهو يمثل لحظة حاسمة لتقديم الحصيلة وترجمة الوعود التي التزمت بها منذ 2021، عبر تنزيل الإصلاحات الكبرى وإتمام البرامج الاجتماعية.

وأوضح جدري في حديثه لجريدة بلبريس أن إعداد المشروع جرى في سياق دولي يطبعه اللايقين، بفعل استمرار التوترات في الشرق الأوسط، وتفاقم الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، إلى جانب تقلب أسعار النفط والمعادن والعملات الدولية. ورغم هذه التحديات الخارجية، فإن المؤشرات الماكرو اقتصادية الوطنية تبقى مشجعة، حيث تمكن المغرب من تحقيق نسبة نمو محترمة، والتحكم في التضخم في مستويات دنيا، إضافة إلى تقليص العجز المالي بشكل تدريجي. هذه النتائج، بحسب جدري، تمنح المغرب قاعدة متينة للانتقال إلى مرحلة جديدة من الإصلاحات والبرامج.

وأضاف أن مشروع قانون المالية يرتكز على أربعة محاور أساسية. المحور الأول يتمثل في تثبيت المكتسبات الاقتصادية عبر تحفيز الاستثمار، سواء الأجنبي أو الوطني، وتشجيع القطاع الخاص المحلي، مع إيلاء عناية خاصة للمقاولات الصغيرة جدا والصغرى والمتوسطة، التي تعد العمود الفقري للتشغيل. ويشمل هذا التوجه تحسين مناخ الأعمال، وتفعيل ميثاق الاستثمار، والانخراط بجدية في المشاريع الطاقية الجديدة وعلى رأسها الهيدروجين الأخضر، إلى جانب إعطاء دفعة للاستثمارات المرتبطة بالماء والطاقة باعتبارهما ملفات استراتيجية.

أما المحور الثاني فيرتبط بإطلاق جيل جديد من البرامج المندمجة على المستوى الترابي، يهدف إلى تقليص الفوارق بين الجهات، وضمان استفادة مناطق بعيدة عن المركز مثل درعة تافيلالت والجهة الشرقية والجنوب من نصيب عادل من التنمية. ويؤكد جدري أن هذا التوجه ينسجم مع التوجيهات الملكية التي شددت على أن المغرب لا يمكن أن يستمر بسرعتين مختلفتين، ما يفرض إدماج جميع الجهات في الدينامية الوطنية.

وأشار الخبير الاقتصادي إلى أن المحور الثالث يضع الدولة الاجتماعية في قلب أولويات الإنفاق العمومي، من خلال تخصيص غلاف مالي غير مسبوق للتعليم والصحة، يناهز 140 مليار درهم، مع إحداث عشرات آلاف المناصب المالية لسد الخصاص في القطاعين. ويتجسد ذلك في إطلاق مراكز استشفائية جامعية جديدة بأكادير والعيون، واستكمال مشروع مستشفى ابن سينا بالرباط، إلى جانب مشاريع بني ملال وكلميم والرشيدية. الهدف، حسب جدري، لا يقتصر على توسيع البنية التحتية بل يشمل تحسين جودة الخدمات وضمان عدالة في الولوج إليها. وفي السياق نفسه، يستمر تنزيل ورش الحماية الاجتماعية عبر تعميم التقاعد على جميع الفئات، وتوسيع التعويض عن فقدان الشغل ليشمل غير الأجراء، وتطوير الدعم الاجتماعي المباشر للأسر مع زيادات موجهة للأطفال.

أما المحور الرابع، فيرتكز على الحفاظ على التوازنات المالية الكبرى، عبر التحكم في المديونية وضبط العجز في مستويات معقولة، بما يضمن استقرار المالية العمومية. كما يتضمن إصلاحات هيكلية تهم المؤسسات والمقاولات العمومية، مع إعادة هيكلة محفظتها وتعزيز مردوديتها، وتطوير حكامة السياسات العمومية من خلال اعتماد قواعد أكثر صرامة في التتبع والمساءلة.

وختم جدري تحليله بالتأكيد على أن التحدي الأكبر لا يكمن في صياغة الأرقام أو تحديد الغلاف المالي، بل في القدرة على التنفيذ الفعلي على الأرض، سواء تعلق الأمر بسرعة إنجاز المشاريع الجهوية أو بفعالية استهداف الدعم الاجتماعي. وشدد على أن نجاح قانون مالية 2026 سيكون المعيار الحقيقي لتقييم حصيلة الحكومة، وسيحدد في الآن نفسه ملامح الطريق نحو رؤية المغرب لسنة 2035.

المقالات المرتبطة

أضف رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *