أزمة الرعي بسوس...أجندة حزبية تقبر التعايش وتحيي الصدام

في ظل الصراع الدامي بالأسلحة البيضاء، والحجارة بين الرعاة الرحل، والساكنة المحلية بإقليمي تزنيت واشتوكة، نظمت صبيحة اليوم الإثنين وقفات إحتجاجية للتلاميذ بمنطقة أربعاء الساحل التابعة لمدينة تزنيت، والتي تعيش منذ أيام على وقع مواجهات مباشرة.

ولمعرفة الأسباب الحقيقية وراء الصراع بالمجال الرعوي بجهة سوس ماسة بين الأطراف المتطاحنة، قامت "بلبريس" بالبحث في الموضوع، انطلاقا من مسؤولين وصناع قرار وساكنة محلية بالإضافة إلى الرعاة الرحل.

أسباب الأزمة

صرح العديد من المتتبعين والمختصين، بأن الصراع بين الرعاة الرحل، وساكنة المناطق المجاورة للمجال الرعوي والغابوي، قديمة، وقد تسببت في وقت سابق بحروب طاحنة بين القبائل، إبان ما يطلق عليه "بحرب غزي"، بل كانت بعض الدواوير بجهة سوس ماسة شاهدة على إجتماعات للقبائل للتصدي للرحل في الازمنة الغابرة.

ويرى المتتبعون بأن المشكل قديم جدا بل وظهر مع إكتشاف الإنسان للفلاحة وتربية الماشية، لكنه طفى للسطح مؤخرا بفعل تزايد عدد القطعان نتيجة إمتهان بعض الدخلاء لمهنة الرعي، بفعل توظيفهم من طرف رجال أعمال كبار، وسياسيين نافدين وامراء خليجيين كدلك.

تعايش الرعاة والساكنة

صرح "محمد إدلغار" أحد ساكنة منطقة اشتوكة ايت باها لميكرفون "بلبريس" بأن الرعاة الرحل كانوا يرعون قطعانهم منذ عقود بجهة سوس ماسة، بل إنهم ربطوا علاقات قرابة، ومصاهرة مع الساكنة المحلية بفعل ترددهم المتكرر، كما أنهم كانوا ينسقون مع زعماء القبائل المحلية مند قرون للسماح لهم بالرعي في مناطق نفودهم.

وأضاف الشيخ الذي يبلغ من العمر 87 سنة، بأن رعاة الإبل كانوا يقدمون حليب "النوق" للساكنة المحلية للتداوي به، في مقابل الحماية من الإعتداء والسماح للقطعان بالشرب من العيون والآبار الخاصة بالقبيلة، لكن منذ ثمانينات القرن الماضي أضحت القطعان تتزايد، وتتكاثر فيما انخفضت بشكل كبير التساقطات المطرية ما أثر بشكل كبير على الغطاء النباتي.

قوانين الحكومة

أجمعت أغلب مصادر بلبريس بأن الإجراءات الحكومية إتجاه قضية الرعي، كانت فاشلة، بل وأدكت الصراع، والاحتقان المتزايد بين الساكنة المحلية والرعاة الرحل، حيث عوض وضع حل للأزمة بإشراك المعنيين بالامر، فضلت الحكومة تنزيل قوانينها بعيدا عن أعين المتدخلين.

وانطلقت فصول تدخل الحكومة بعد أن وضعت وزارة الفلاحة والصيد البحري، مشروع قانون يحمل رقم 113.13 يتعلق بالترحال الرعوي، وتدبير، وتهيئة المجالات الرعوية، يهدف إلى حماية حوالي 53 مليون هكتار من الأراضي الرعوية بالمغرب، وتأطير، وتدبير ظاهرة الترحال الرعوي، بضرورة الحصول على ترخيص مسبق للاستفادة من المراعي.

وأوضحت المذكرة التقديمية المرفقة بالمشروع، أنه لوحظ في العقود الأخيرة نشوب بعض الخلافات بين الرحل، والساكنة المحلية سواء بمناطق العبور، أو المناطق المقصودة للرعي تكاد تأخذ في بعض الحالات طابعا خطيرا من شأنه تهديد السلم الاجتماعي، ولهذا تقول وزارة الفلاحة صاحبة مشروع القانون، تقتضي الضرورة وبشكل عاجل التدخل لتصحيح هذه الوضعية وتداعياتها، وذلك بوضع إطار قانوني خاص، وملائم يساهم في تقديم الحلول الناجعة الممكنة لمختلف المشاكل المتعلقة بتهيئة، وتدبير المجال الرعوي، وكذلك وضع قواعد استعمال، واستغلال المراعي، ومواردها مع تنظيم، وتسوية النزاعات الممكن أن تنجم عن ممارسة النشاط الرعوي.

الأجندة الحزبية والانتخابوية

رغم أن مشكل الرعي، وتحديد مناطقه أضحى مخيفا ومؤرقا للسلطات في الايام الحالية،ـ لكنه يمس بشكل مباشر الآلاف من ساكنة البوادي، والعاللم القروي بالمغرب، حيث تعيش الآلاف من الأسر على ماتقدمه القطعان من ماشية وماعز وإبل، بل إن شخصيات سياسية، وحزبية، وأمراء خليجيين يتوفرون على قطعان من الماشية والإبل.

وفي ذات السياق، أكد "محمد بولبن" وهو أحد الرعاة الذين ورث المهنة عن أبيه وأجداده، بأن بعض الأحزاب السياسية ضغطت بكل قوتها للتسريع في إخراج القانون رقم 113.13 المتعلق بالترحال الرعوي، وتدبير وتهيئة المجالات الرعوية، حيث كانوا يعولون على إجراء سن التراخيص للتحكم في شريحة مهمة، تعيش على الرعي، لكن الموضوع أخذ منحنيات أخطر وأكبر.

وأضاف محمد بأن العائلات المغربية التي تعيش على الرعي والترحال قليلة جدا، ومعروفة لدى الساكنة المحلية المجاورة لمناطق الرعي سواء بجهة سوس ماسة، أو في أماكن أخرى من المغرب، مشيرا بوجود عصابة لها إرتباطات بسياسيين، ونافدين في السلطة للتحكم في المناطق الرعوية الخصبة دون إكتراث، أو مبالاة بمطالب الساكنة، والحفاظ على الغطاء النباتي.

مداخل الحلول

في محاولة لمعرفة الحلول الممكنة، والواقعية التي يقترحها الساكنة المتضررة من قطعان الرعاة الرحل، أجمع الطرفان على ضرورة ترحيل الذين يقومون بالرعي الجائر آنيا، ومواجهة كل تجاوز بحق الأغراس، والموروث البيئي، وخصوصا أشجار الأركان في المناطق المجاورة للمجال الرعوي.

وحسب ذات المصادر، فيجب كذلك تعديل بعض البنود بقانون الرعي رغم معارضته من طرف الأغلبية، مع إيجاد مناطق للتزود بالماء، وتخليف المراعي، مع الضرب من حديد على يد المتطفلين الدين يتحدون القانون، والأعراف بالرعي في المناطق الغابوية التي تحوي شجر الأركان، والمغروسات المعيشية للساكنة المحلية سواء بسوس، أو بمناطق أخرى.