استنفار بالأحزاب السياسية و أزمة حزب العدالة والتنمية أعمق من استقالات

د. ميلود بلقاضي

اصبح كل شيء بالمغرب في هذا الظرف الاستثنائي غير استثنائي، حيث تتوالى الاحداث بوتيرة سريعة. فمن مجلس وزاري بفاس صادق على مشاريع القوانين التنظيمية المؤطرة للانتخابات المقبلة، الى تقديم وزير الداخلية عرضه حول الانتخابات امام لجنة الداخلية بالبرلمان ، الى مجلس حكومي ثم اصدار مرسوم حول عقد دورة استثنائية لمناقشة والتصويت والمصادقة على مشاريع القوانين التنظيمية المؤطرة للانتخابات الى دخول حزب العدالة والتنمية في ازمة داخلية تنذر بنهاية هيمنته. أزمة حزب العدالة والتنمية جعلته في الواجهة بعد استقالة أحد صقوره مصطفى الرميد من الحكومة لأسباب صحية ،واستقالة ادريس الازمي من رئاسة المجلس الوطني و من عضوية الأمانة العامة لأسباب تخلي حزب البيجيدي عن ‘’جيناته الاصلية ‘’حسب قوله . استقالة الرميد والازمي شكلت زلزالا مدويا وأحدثت رجة كبرى داخل حزب العدالة والتنمية وداخل المشهد الحزبي وخلقت نقاشات متعددة حول مستقبل حزب البيجيدي والمشهد الحزبي بالمغرب في ظل هاته الاستقالات.

حزب العدالة والتنمية لم يعد حزب الاستثناء:

شكل هذا الحزب ظاهرة حزبية استثنائية ،وشكل نموذجا فريدا بالوطن العربي حول نجاح تجربة الإسلام السياسي ،حيث انه كان حزبا استثنائيا في تنظيمه وفي انضباطه وفي تماسكه وفي منهجية عمله الامر الذي جعله يمثل استثناء نادرا داخل المشهد الحزبي حتى من زاوية تفعيل الديمقراطية الداخلية ،لكن استقالة الرميد من الحكومة والازمي من رئاسة المجلس الوطني و من عضوية الأمانة العامة ومضمون بلاغ استقالته والكشف على مبررات الاستقالة برهنت بالواضح ان حزب البيجيدي لم يعد حزب الاستثناء منذ تجميد المقرئ ابو زيد عضويته بالحزب، حيث بدأ الحزب يفقد كل مميزاته حتى ان رئيس مجلسه الوطني ادريس الازمي صرح انه ‘’لم يعد يتحمل ولا يستوعب ولا يستطيع ان يفسر او يستسيغ ما يجري داخل الحزب وتبرير كل شيء بكل شيء في تناقض صارخ مع ما يؤسس هوية الحزب ويكون جيناته الاصلية’’، انها كلمات ليست صادرة من أعداء البيجيدي وهم ما اكثرهم لكنها صادرة من صقر من صقور الحزب اسمه ادريس الازمي الذي كان قاسيا على العثماني وعلى حزبه في بلاغ استقالته متسائلا : هل’’ بقي الحزب يصلح لشيء’’؟؟

تحول البيجيدي الى حزب عادي هو منطق الطبيعة:

تؤكد كل العلوم السياسية والتاريخية الى ان كل الظواهر بما فيها الظاهرة الحزبية تمر من ثلاث مراحل: من مرحلة النشأة والتطور الى مرحلة النضج والقوة الى مرحلة التراجع والتأزم، انها من المسلمات التي تنطبق على حزب العدالة والتنمية الذي هيمن بقوة على المشهد الحزبي منذ سنوات كثيرة وقاد الحكومة لولايتين متتابعتين رغم كل محاولات تقزيمه، وتمكن من ان يحصد 125 مقعدا نيابيا وهو رقم قياسي لم يعرفه المغرب الانتخابي مكنته ان يصبح حزبا قويا ومخيفا.

لذلك عادي جدا ان نراه اليوم يمر بأزمات وبتصدعات داخلية أقواها تجميد المقرئ ابو زيد عضويته بالأمانة العامة للحزب واستقالة الرميد من الحكومة واستقالة الازمي من رئاسة المجلس الوطني ومن عضوية الأمانة العامة في ظرف دقيق وانتخابي يعرف فيه الحزب مواجهات ومقاومات قوية حول القاسم الانتخابي الذي سيتم تعديله ليكون حسب المسجلين في اللوائح الانتخابية وليس حسب الأصوات المعبر عنها رغم تشبت حزب العدالة والتنمية به واعتباره خطا احمرا، ومن المنتظر ان يزيد تعديل القاسم الانتخابي من شد الخناق على امينه العام العثماني حيث ستتعالى أصوات من تيار بنكيران للخروج من الحكومة مقتنعة بان تعديل القاسم الانتخابي هو مؤشر لعودة التحكم ، ويمكن لهذا التيار ان يطالب حتى بمقاطعة الانتخابات المقبلة كمناورة سياسية ليس الا.

باختصار تراجع حزب البيجيدي وبداية انهياره ودخوله في مرحلة التصدعات والاستقالات وحتى الانقسامات هو امر طبيعي وظاهرة ثابتة في تاريخ تطور الأحزاب السياسية لان منطق الظواهر هو الخضوع لمبدأ إعادة التدوير ‘’RECYCLADE’’ .

أزمة حزب البيجيدي يربك الوضع الحزبي المغرب ويستنفر الاحزاب:

زلازل الأحزاب الكبرى تترك تصدعات في محيطها وهو ما ينطبق على أزمة حزب العدالة والتنمية الذي اربك حسابات كل الأحزاب ، ذلك انه في الوقت الذي كانت الأحزاب تضع استراتيجيتها الانتخابية لمحاصرة ولمواجهة حزب العدالة والتنمية ، جاءت استقالات صقور الحزب لتستنفر كل الأحزاب وخصوصا أحزاب الاستقلال والبام والتجمع الوطني للاحرار بعد تأكدها بأن حزب البيجيدي دخل محطة التراجعات و التصدعات الداخلية بعد فقدانه الكثير من قيم الانضباط والالتزام والتماسك والتنظيم التي كانت تميز الحزب عن باقي الأحزاب السياسية المغربية الأخرى.

وبهذا التحول اعتقد بان حزب العدالة والتنمية سيذهب للانتخابات وهو في ازمة خانقة ستؤثر على تموقعه في الخريطة السياسية المقبلة التي لن يلعب فيها البيجيدي رقما صعبا كما كان في المحطات الانتخابية السابقة ، وان كان سيلعب دورا في المحطة الانتخابية المقبلة الى جانب التجمع الوطني للأحرار وحزب الاصالة والمعاصرة وحزب الاستقلال، وإن كانت هناك مؤشرات عديدة عن استعداد حزب العدالة المعاصرة للاصطفاف في احزاب المعارضة بعد ان انتهت الأدوار التي حددت له والتنازلات التي فرضت على قيادته، الامر الذي سيزيد من عزلة البيجيدي خصوصا اذا ما تم تعديل القاسم الانتخابي من اطار الأصوات المعبر عنها الى اطار المسجلين بتحالف بين أحزاب الأغلبية والمعارضة .

وقد صدق من قال من يتحكم في القوانين يتحكم في صناعة الخريطة الحزبية والسياسية ، قوانين لن تكون في صالح حزب البيجيدي مما سيزيد من متاعب قيادته وهياكله التي ستننتظر الضوء الأخضر من بنكيران لاتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب للرد على ما سماه احد قادة الحزب بعودة التحكم..

رئيس المركز المغربي للدراسات الاستراتيجية والسياسية


شاهد أيضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.