"الفصل489" .. عقوبة تبرر "النزوح" من أجل الحرية

"سأعطيك الخبز كالكلب، وهو ما أنت عليه.. أصلا إطعامك حرام"، هكذاصرخ أخوه الأكبر قبل أن يحبسه في أحد حمامات منزل العائلة في فاس وهو يظن أن "هكذا تتعلم". ظل الأخ الأكبر غاضبًا، فهو لم يكن قادرًا على قبول ما سمع للتو، أن شقيقه يحب الرجال، "لا يحق للشواذ العيش".

 

"لن أقبلهم"

 

في ذلك الوقت، يقول نوفل (اسم مستعار) إنه يأسف "لأنه أراد أن يكون شجاعًا"، وهكذا أمضى ثلاثة أيام دون أن يأكل، حتى فتحت والدته باب الحمام وطلبت منه المغادرة وألا يعود، "أخوك في حالة سكر على شرفه.. أذهب بعيدا لأني أعلم أنه يستطيع قتلك"، وهكذا بدأت رحلة شاب مثلي يبلغ من العمر 23 عامًا.

 

نوفل هو واحد من مجموعة الـ26 من طالبي اللجوء في جزر البليار بسبب الميل الجنسي، وهم من دول مثل فنزويلا وكوبا والكاميرون وموريتانيا والسلفادور وأوكرانيا، وفق ما تقوله صحيفة "إِلْ موندو" الإسبانية.

 

روث فاسكويز، محامية "برنامج الهجرة واللاجئين"، التابع للصليب الأحمر البالياري، هي واحدة من أعضاء الفريق القانوني الذي يرافقهم في هذه العملية، تقول أن خلال عام 2019، في جزر البليار، طلب حوالي 400 شخص الحماية الدولية لأسباب الاضطهاد الديني أو المعارضة السياسية أو الانتماء إلى مجموعة اجتماعية محددة أو الميل الجنسي.

 

نوفل، يعيش في مايوركا لمدة عام ونصف، ويأمل الآن في سماع قرار مكتب اللجوء بشأن طلبه.

يشتغل الآن، ويشارك سكنه مع الأصدقاء ولديه علاقة مع أحدهم.

ويقول الشاب "أنا لا أخاف أبدًا من الحياة"، ولكن هل يشتاق لبلده المغرب؟ رد قائلاً، "إذا لم يقبلوني كما أنا، فلن أقبلهم".

 

"حقوق الإنسان لا تتجزأ"

 

وفي المغرب، يُعاقب على المثلية الجنسية، "الشذوذ"، بعقوبات تتراوح بين 6 أشهر و3 سنوات في السجن، وفقا لما في المادة 489 من قانون المغرب الجنائي.

"لا حق للدولة في التدخل بالحياة الشخصية للمواطنين سواء كانو مغايري الجنس أو مثليين" هكذا علق مدير التواصل والمرافعة بقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش، محمد رضا بنشمسي، على الفصل المذكور .

 

أحمد رضا بنشمسي يضيف لـ"بلبريس" "العلاقات الجنسية الرضائية بين البالغين هو أمر واقع وهي مسألة متعلقة بالحريات الفردية للمواطنين وليس من حق الدولة التدخل في الموضوع" .

 

بنشمسي يعتبر أن "حقوق الإنسان لا تتجزأ لا يمكن قبول بنذ دون اخر، والتعليل بذلك لطبيعة المجتمع المحافظ، والمثلية الجنسية شائعة في المغرب كما هو الحال في كل بلدان العالم" مسترسلا "القانون المتعلق بمعاقبة المثليين جنسيا يكشف مدى رجعية المغرب في كونية حقوق الإنسان وإذا كانت الدولة تهتم لصورتها بالخارج فيلزم إعادة النظر في مثل هذه القوانين" .

 

المسؤول بالمنظمة الدولية يرى أن "المغرب بهذا القانون لا يلتزم بالمواثيق الدولية، الذي يقر بها الدستور المغربي" .

 

"الأوساخ"

 

وفي عام 2017، صرح وزير حقوق الإنسان مصطفى الرميد بهذا الكلام "نعيش في المغرب، وإذا واصلنا الحديث عن المثليين جنسياً فسوف نعطيهم قيمة، وهم القمامة(الأوساخ)"، نعم، بهذه الكلمات أطلق وزير حقوق الإنسان في البلاد على تلك الفئة وصف "القمامة".

 

"المغرب ليس خطيرا"

 

وتقول المحامية روث فاسكويز أن الوضع في المغرب ليس خطيرا كما في أماكن مثل أوكرانيا، وتتعامل الإدارة القانونية للصليب الأحمر مع قضية طالب لجوء من هذا البلد، تمت مضايقته منذ الطفولة، الطفولة التي تميزت بالعنف - أخرج من المدرسة لأنه يحب الأطفال - مورس عليه اغتصاب جماعي على يد الجيش الموالي لروسيا. وتوضح فاسكيز اليوم أنه استطاع أن يعيش حياة طبيعية مع شريكه في إسبانيا.

وتؤكد المحامية فاسكويز أنه من كل 10 طلبات، وبمتوسط ​​ثلاثة طلبات تقبل، يمكن الشروع في عملية تقديم التماس الحماية الدولية في كل من بلد المنشأ وبلد المقصد، على الرغم من أن ذلك يحدث عادة في الأخير. وتعتبر هذه هي الخطوة الأولى في العملية التي سيتم تأجيلها بمرور الوقت، حيث يجب على مقدم الطلب إعداد "قصة حياة" تحتوي على حكايته. وهناك تفسيرات مختلفة حسب كل البلد.

وفي إسبانيا، سيكون مكتب اللجوء أكثر تقبلاً للموافقة على الالتماس إذا كان "الشذوذ الجنسي"، يعتبر جريمة في بلد المنشأ وتطبق الإدانات أيضًا. بالإضافة إلى ذلك، يجب أن يكون مقدم الطلب في حالة من الاضطهاد. يجب أيضًا تقديم تقرير من البلد يحتوي على العلاج لهذه المجموعة.

 

"طفولة مؤلمة"

 

نوفل نجا من القضية بشكل جيد في الطفولة، والتي يصفها بأنها كانت "هادئة وسعيدة".

وكان الصبي الصغير من بين 8 أشقاء، مدلل من قبل 4 شقيقات ووالدته. بدأ يشعر باختلافه عن أصدقائه في سن 12، "قضيت ايّام الدراسة في محاولة للسيطرة على ما كان يحدث لي، حتى وجدت وسيلة للخروج على شبكة الإنترنت"، وهكذا، بدأ علاقة عن بعد مع شاب آخر في الرباط.

وانفجر كل شيء بعد حصة التربية البدنية، عندما كان عمره حوالي 18 عامًا، "لقد تركنا الهواتف المحمولة لصديق للحفاظ عليها، فتح الهاتف، واكتشف صوري مع شريكي آنذاك. لقد أرسلهم إلى هاتفه الخاص وأظهرهم للمعهد بأكمله".

ومن هناك بدأ الكابوس، ففي اليوم التالي، بدأ زملاؤه يطلقون عليه اسم "الشاذ"، ومطاردته ورمي الحجارة عليه، حتى أنهم هددوه بسكين وسرق هاتفه الخلوي.

توقف عن الذهاب إلى الدراسة وهرب إلى الرباط مع شريكه، ولكن بعد أسبوعين، عاد إلى المنزل، وبدأوا في ضربه، خاصة أخوه الأكبر، الذي لم يفهم لماذا تغيرت سلوكه، وبعد فترة من العزلة، اعترف لعائلته بمثليته الجنسية، ورغم أن والده لم يتقبل ذلك، إلا أنه على عكس شقيقه، لم يقم بضربه.

 

"انتظار اللجوء"

 

نوفل لم ينسى الأشهر الأربعة التي قضاها في مركز الإيواء بمليلية، "نمت في غرفة بها 45 شخصًا"، "وأكلت من طعام لا يعطى حتى للكلب".. هذا ما يقوله الفتى الذي كان الصبي الصغير المدلل لعائلة من الطبقة المتوسطة، والذي لم يتوقف حتى تسلل في شاحنة إلى إسبانيا. اختبأ في سقف البلاستيك في الساعة الثالثة صباحًا ولم يتحرك حتى تركته السيارة في موتريل على الساعة السادسة بعد الظهر. ومن هناك، مر عبر عدة مدن، حتى وصل إلى جزيرة مايوركا الإسبانية.

 

ينتظر الآن الرد من مكتب اللجوء، ولا يريد التفكير في ما يمكن أن يحدث، يعمل ويتحدث الإسبانية بشكل مثالي تقريبًا دون أن يتعلمها في الفصل، ويعبر عن الشكر الجزيل لمحاميته والصليب الاحمر، ويقول"أنا لا أخاف أبدًا من الحياة".

 

"170 متابعة"

 

وفي سنة 2018 ، تمت متابعة 170 مواطن مغربي بـ"تهمة الشذوذ الجنسي" وفقا لمعطيات رسمية نقلتها جمعية أقليات .

 

"لا معطيات في السجون"

 

"بلبريس" حاولت التواصل مع مسؤولين بالسجن عن ما إذا كانت معاملة خاصة مع المثليين داخل قضبان السجن أم أنهم يوضعون رفقة المتهمين بتهم أخرى، إلا أنه تعذر الأمر علينا .

 

"كنت سلفيا أو سلفية"

 

"كنت سلفيا أو سلفية، لم أكن أدري ما إذا كنت ذكرا أو أنثى، تصرفات أنثوية وجسد ذكر" هكذا وصفت صولا عابرة جندرية بداية إكتشافها لجسمها منذ الصغر .

تحكي العابرة جنسيا قصتها لـ"بلبريس" "في الصغر كنت أمارس حريتي لكن كلما أتقدم في السن وأنا أعاني من مجموعة من الممارسات الإقصائية، وتفرغت للأمور الدينية لعلي ألقى فيها نفسي وكنت أقوم بحلقيات للسلفيين بالرغم من ميولاتي الجنسية، لكني كنت أنثى من الداخل عكس جسدي الذكوري بلحية كثيفة، وأحاول أن أغطي أنوتثي ".

حول معاملة عائلتها تقول "صولا" "عائلتي تعاملني كأنثى ، لكن في المقابل تريدني رجلا وتخاطبني بجملة "هاد طريق لي غادة فيها مغاديش تخرجك" وتعتقد أنها فترة من حياتي وستمر" .

"فكرت في الاستقرار بتركيا ، وطلب اللجو ء بالرغم من عدم وجود حرية مطلقة فيها فوسط الدولة الأوروبية تعرضت لاعتداءات ومضايقات، أشهر من المعاناة و"الطلوع و نزول و السفر داخل تركيا باش ندفع الملف تا عييت و طرالي مشكل فتركيا مشاولي شي وراق ديالي ومكنش غندي اختيار من غير نرجع لبلادي"" تخلص المتحدثة .

 

"489.. فصل الهجرة"

 

هو فصل يدفع المثليين جنسيا والعابرين والعابرات جندريا، يدفعه للهجرة للخارج قصد الحرية وممارسة حياتهم بشكل عادي دون مضايقات من السلطة والمجتمع .

وحول الموضوع ذاته، ، نقاش حاد في المجتمع المغربي لتعديل القانون الجنائي وإزالة الفصول المتعلقة بالحريات الفردية، بما فيهم الفصل 489 المتعلق بتجريم المثلية الجنسية .

عمر بلافريج نائب برلماني عن فيديرالية اليسار الديمقراطي، يطالب بتعديل هذه القوانين، ويعتبر أن الأمور المتعلقة بين الأفراد بشكل رضائي ولا تمس المجتمع فلا يمكن للدولة أن تتدخل فيها .

وحول "الفصل489 " يقول بلافريج لـ"بلبريس" "المثليون مواطنون مغاربة، ولا يمكننا أن نطردهم أو نتابعهم بهذه القوانين وبالتالي يلزم تعديلها مادامت لا تمس المجتمع وتدخل ضمن الحريات الفردية".

بلافريج يؤكد "أنا لا أشجع على المثلية ولا أشجع على ممارستها في الشارع العام ولا يمكن لعاقل أن يقوم بذلك ولكن في نفس الوقت يلزم احترام حريتهم ".

 

"بيد نواب الأمة"

 

فصل في القانون الجنائي يراه البعض محاربة لـ"الشذوذ" ووجب إبقاؤه، في حين يعتبره البعض ضربا في الحريات الفردية ويلزم إلغاؤه وضمان حرية المثليين والعابرين جنسيا.. وبين هذا وذاك يفصلنا زمن قليل حول تعديلات القانون الجنائي هل سيدافع نواب الأمة على التجريم أم للحريات الفردية والمدافعين عنها رأي آخر.. ؟