في دراسة أكاديمية حديثة، أُعيد فتح النقاش القانوني والسياسي حول حدود الحقوق السياسية الممنوحة للأجانب المقيمين في المغرب، وخاصة فيما يتعلق بحقهم في التصويت والترشح للانتخابات.
وأكدت الدراسة، المنشورة في العدد الأخير من مجلة الدراسات السياسية والاجتماعية، أن الإطار الدستوري المغربي، رغم تقدمه النسبي، لا يزال يخضع لمنطق “الحذر السيادي” حين يتعلق الأمر بإشراك غير المواطنين في المؤسسات التمثيلية، وعلى رأسها البرلمان.
وأبرزت الدراسة، التي أعدها الدكتور غسان الأمراني، الأستاذ بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية السويسي بالرباط، أن الفصل 30 من الدستور المغربي يحدد بشكل واضح أن حق التصويت الممنوح للأجانب يقتصر على الانتخابات الجماعية، دون أن يمتد إلى الانتخابات التشريعية، ما يعكس حرص المشرّع على حماية المؤسسات السيادية من أي تأثير خارجي غير مرتبط بـ”الولاء الوطني الكامل”.
وفسّرت الدراسة هذا التوجه بكونه متسقًا مع سياسات دولية عدة، لكنه بدأ يفقد وجاهته في ضوء التحولات الكونية المتعلقة بالمواطنة والانتماء.
وأضاف الأمراني أن المغرب ما زال يعتمد شروطًا صارمة لمنح هذا الحق، مثل الإقامة الطويلة، والمعاملة بالمثل، والتمتع بالحقوق المدنية والسياسية في بلد الأصل، ما يرسّخ نوعًا من التمييز القانوني بين فئات تقيم على نفس الأرض لكنها لا تحظى بالحقوق ذاتها.
وذهبت الوثيقة البحثية إلى أن المُتجنسين المغاربة بدورهم يخضعون لفترة تقييد زمني قبل الحصول على حقوقهم السياسية كاملة، ما يدل على وجود “مقاربة انتقالية” نحو الاندماج السياسي الكامل، لكنها تبقى محفوفة بقيود تفصل بين الانتماء القانوني والمشاركة الفعلية في تدبير الشأن العام.
وفي مقارنة مع تجارب دولية، أشار الأمراني إلى أن عددًا من البلدان الغربية تتبنّى نموذجا أكثر انفتاحًا، يسمح لغير المواطنين بالتصويت في الانتخابات المحلية بعد إقامة لعدد من السنوات، دون اشتراط الجنسية، وهو توجه يعزز مفهوم “المواطنة المعيشية” المرتبطة بالمشاركة الاجتماعية والاقتصادية، وليس بالضرورة بالانتماء القومي الضيق.
الدراسة التي حملت عنوان: “الحقوق السياسية للمهاجرين بين القانون المغربي والتجارب المقارنة: الحق في التصويت والترشح”، دعت إلى إعادة بناء النموذج المغربي على أسس جديدة، تضمن توازناً بين حماية السيادة وإشراك كافة المقيمين في تدبير الشأن المحلي، خاصة أن الكثير منهم يساهمون بفعالية في النسيج الاقتصادي والاجتماعي، دون أن تكون لهم القدرة على التأثير السياسي.
كما طرحت الدراسة تساؤلاً عريضاً حول مدى قدرة النموذج المغربي على مواكبة التحولات الكونية وإعادة النظر في منظومة الحقوق السياسية بما ينسجم مع القيم الإنسانية الحديثة، ويحقق التوازن بين مقتضيات الدستور وواقع التنوع المجتمعي في البلاد.
وفي سياق متصل، تُشير الفقرة الثالثة والرابعة من دستور 2011 إلى أن الأجانب يتمتعون بالحريات الأساسية المعترف بها للمواطنين، ويمكنهم المشاركة في الانتخابات المحلية “بمقتضى القانون أو تطبيقًا لاتفاقيات دولية أو ممارسات المعاملة بالمثل”، ما يفتح الباب أمام إمكانيات تطوير هذا الإطار القانوني، إذا توفرت الإرادة السياسية لذلك.