سجلت معدلات الطلاق في السنوات الأخيرة ارتفاعا مهولا وصفه المختصون "بالمخيف"، حيث باتت هذه الظاهرة التي تتعدد أسبابها تهدد كيان المجتمع المغربي بكل مكوناته، ولا تقف خطورتها عند الأفراد والأسر بل وتطال النظم الاجتماعية الأخرى بما في ذلك النظام الاقتصادي.
ورغم العلاقات الاجتماعية التي تسود في المجتمع المغربي- في عمومها - تعتبر علاقات مباشرة تلعب فيها العائلة الموسعة و الأسرة النووية، والمعرفة الشخصية دورها المهم وربما المهيمن، فان الوضع الاسري العام بين المتزوجين بالمغرب جدمقلق كما تجسده معدلات الطلاق في السنوات الاخيرة، ولم تستطع أي من القيم التقليدية المهيمنة أن تحد من انتشارها.
في محاولة لسبر أغوار هذه الظاهرة انتقل طاقم بلبريس إلى قسم قضاء الأسرة بالمحكمة الابتدائية بالرباط، للوقوف على الحالات التي تتردد على القسم وكذا القضايا التي تعالج، وعن الأسباب وراء حالات الطلاق بأنواعه.
مكتب طويل في آخر الرواق بالطابق الثالث، يجلس موظف وأمامه العديد من الملفات التي يستقبلها يوميا، وفي قاعة الانتظار تجد نسوة يتبادلن أطراف الحديث تحكي كل منهن عن تجربتها المريرة في الزواج منهن من تسبق دموعهن الكلمات، ومنهن من يجدن في الانصات لحالات الأخريات تفريج عن همومهن، في القاعة نفسها، هناك رجال وأطفال ينتظرون دورهم لسرد حكايتهم للموظف من أجل الإرشاد والتوعية أحيانا، وأحيانا أخرى لبدء إجراءات الطلاق أو التدخل من أجل الصلح وديا.
جلسنا نستمع لحكايات وتجارب مريرة، دخلت م.ع.، امرأة في مقتبل العمر ترتدي جلبابا أسودا وعلى محياها حزن عميق، دموع تسبق الكلمات، وانحناءة تظهر عدم الرضى، تحكي بصوت خافت، أريد رفع دعوى للتطليق بالشقاق من زوجي، وقراري لا رجعة فيه، فقد سئمت المشاكل، والفضائح فزوجي زير نساء، لا يمل من التحرش بصديقاتي وزميلاتي في العمل والأكثر من ذلك فقد وصل به الأمر إلى التحرش ببنت الجيران، النقطة التي أفاضت الكأس.
وأردفت المتحدثة:"لي منه طفلة واحدة ولا أرغب أن تكبر بين ظهراني رجل لا يأبه ولا يحترم لا نفسه ولا المحيطين به، أرجو أن تتم إجراءات الطلاق في أسرع وقت"
ما لبتت م.ع أن تنتهي من محادثتها إلا أن دخل رجل في الأربعين يرافقه طفل لا يتجاوز 6 سنوات، جلسا على كرسي ازداد سوادا من مرارة ما يحكونه هؤلاء الذين يجلسون عليه، الأب المكلوم متحدثا:" لقد سبق وأن طلقت زوجتي السابقة لعدة أسباب لكن تفاجأت باستغنائها عن طفلنا هذا الذي رفضت تربيته"
وأردف ":أنا رجل لدي التزامات كثيرة ووقت دوامي لا يسمح لي بتربية طفلي الأمر الذي سبب لي الكثير من المشاكل في العمل وفي الحياة اليومية،أتمنى حلا وسطا لهذه المعضلة"
تحدث الطفل الذي لم يعد يعرف إلى أي جهة يصد، أيطرق باب أم تخلت عن فلذة كبدها، أم لأب ما بيده حيلة.
في القاعة أيضا كانت تجلس امرأة في الخمسينات رفقة طفل ذي 3 سنوات دخلت وجلست أمام الأخريات، تلعثم لسانها ولم تنبس ببنت شفة، بقيت جالسة في حالة صدمة إلى أن استدرجنهاالنسوة في الحديث فبدأت تسرد حكايتها مع زوجها، الذي تخلى عنها وتزوج أخرى بعد أن قررا تبني ذاك الطفل الذي يرافقها، تبكي بحرقة وهي تقول:" زوجي لا ينفق على بيته يعطيني 700 درهم في كل شهر أو شهرين لا تكفي حتى لأداء فواتير الماء والكهرباء"
وأضافت :"أعطيته الموافقة على التعدد شريطة أن ينفق علي وعلى طفلنا بالتبني لكنه أخلف الوعد"
وتساءلت عن الإجراءات التي يمكن أن تقدم عليها لتدفع بزوجها للإنفاق عليها دون اللجوء الى الطلاق باعتباره أمر مستبعد في مخيلتها ولا تسمح به تقاليد أسرتها.
حكايات مع تنوعها واختلافها إلا أنها تصب في خانات التفكك الأسري الذي أضحى من الظواهر التي تؤرق المجتمع المغربي بكل تلويناته، في هذا الصدد نبه الأستاذ حبيب محمد مستشار في قضايا الأسرة، عن خطورة ظاهرة الطلاق وما تخلفه من تفكك أسري داخل المجتمع المغربي.
وكشف حبيب عن قصور مدونة الأسرة وعدم ملائمة المشرع للقضايا المطروحة أمام المحاكم مضيفا أن للطلاق أسباب عديدة منها على المستوى الفردي : الاختيار الغير الناضج والعنف المنزلي، و الافتقار إلى الاستعداد للزواج و الزواج المبكر، و ممارسة الاحتيال على الشريك الآخر، من ذلك إخفاء عيب من العيوب المرتبطة بالشخصية ، العقم ، العذرية ، تناول المخدرات ، وكذلك اختلاف المستوى الاجتماعي و الاقتصادي أي اختلاف الوضع الطبقي، طبيعة العلاقة الزوجية وبخاصة الإحجام عن التواصل والتودد وكذلك عدم الإنجاب و الخيانة الزوجية، بالإضافة إلى تدخل الأهل والأقارب وأطراف أخرى في حياة الزوجين .
وأردف حبيب، أنه من أسباب الطلاق على مستوى المجتمع :" تغير الكثير من القيم والاتجاهات المرتبطة بالزواج والطلاق فعلى سبيل المثال : لم يعد ينظر إلى الطلاق على أنه وصمة عار اجتماعي.
إضافة إلى العولمة وبخاصة منها انسياب الأفكار والمعلومات وسرعة الاتصالات ويسرها بين مختلف أرجاء الدنيا عن طريق شبكة الاتصالات الدولية ،و تغير مكانة المرأة وزيادة مشاركتها في قوة العمل ، وبالتالي حصولها على الدخل الذي يضمن لها الإستقلال الاقتصادي يجعل من إمكانية عدم ترددها في طلب الطلاق مرجحة إذا لم تجد في الزواج حاجاتها .