لا تحتفل ذكرى ثورة الملك والشعب فقط بصفحة من صفحات التحرر الوطني، بل تفتح أيضًا باب النقاش حول خصوصية الشرعية السياسية المغربية، باعتبارها مزيجًا متفردًا من روافد تاريخية ودينية وشعبية، صاغت نموذجًا مختلفًا عن باقي الأنظمة السياسية في العالم.
وفي تصريح خص به بلبريس، أوضح خالد الشيات، أستاذ القانون الدولي والعلاقات الدولية بجامعة محمد الأول بوجدة، أن هذه الذكرى “تختزن رمزية سياسية عميقة، لأنها لا تتعلق فقط بالتحرر من الاستعمار، بل تدخل في صلب بناء وتجديد المنتظم السياسي المغربي”.
ويضيف أن ثورة الملك والشعب “مثلت لحظة إعادة تركيب للشرعية، بعد فترة من الوهن والضعف السياسي، لتؤسس توافقًا جديدًا بين العرش والشعب في مواجهة الاحتلال”.

ويربط الشيات هذا التحول بمفهوم “القبول الاجتماعي”، وهو ما يميز التجربة المغربية عن غيرها، فبينما تستند أنظمة سياسية أخرى إلى الشرعية الانتخابية وحدها، أو إلى شرعية دينية أو ثورية محدودة في الزمن، فإن المغرب جمع بين الشرعيات في صيغة متكاملة، قائلا: “هناك شرعية تاريخية نابعة من المقاومة والتحرر، وشرعية دينية متجسدة في مؤسسة إمارة المؤمنين، وشرعية شعبية يتم التعبير عنها عبر الاستفتاءات والدساتير”، مضيفًا أن هذا المزيج “خلق حالة فريدة على المستوى المقارن”.
ويشير الشيات إلى أن الدستور المغربي لسنة 1962 كان تتويجًا لمسار بدأ مع ثورة الملك والشعب، حيث تم التنصيص على إمارة المؤمنين كمؤسسة تؤطر المشهد السياسي، إلى جانب آليات الاستفتاء الشعبي التي تمنح النصوص الدستورية قبولًا اجتماعيًا واسعًا، موضحا: “بهذا الشكل، تحولت الثورة إلى لحظة تأسيسية لمشهد سياسي قائم على تعدد الشرعيات، وهو ما يمنح المغرب تفرده”.
أما في الحاضر، فيؤكد الخبير أن المؤسسة الملكية ما تزال الإطار المرجعي لأي إصلاح أو تحول، حيث يقترح الملك المشاريع الكبرى، ويتم استقبالها بقبول اجتماعي واسع قبل أن تُدوّن في شكل قانوني أو دستوري، خالصا إلى: أن “هذه الخصوصية تجعل من التجربة المغربية نموذجًا متميزًا، يختلف عن المنظومات الغربية التي تقوم على الانتخابات فقط، وعن أنظمة أخرى تكتفي بشرعية تاريخية أو دينية محدودة”.
وبهذا المعنى، فإن ذكرى ثورة الملك والشعب لا تظل مجرد لحظة تحررية، بل تتحول إلى مرآة تعكس خصوصية الشرعية السياسية المغربية؛ شرعية هجينة لكنها متماسكة، جعلت من المغرب حالة متفردة في محيطه الإقليمي والدولي.