الدكالي: روح ثورة الملك والشعب مازالت تؤطر الإصلاحات الكبرى اليوم

كلما حلّ العشرون من غشت، يعود المغرب إلى ذكرى من أبهى صفحاته التاريخية؛ ثورة لم تكن فقط انتفاضة ضد المستعمر، بل كانت ولادة جديدة لعلاقة استثنائية بين الملك والشعب، علاقة صيغت في قلب المعاناة، وتحولت إلى ميثاق غير مكتوب يربط الطرفين برباط مقدس.

حيث فجر نفي السلطان محمد الخامس سنة 1953، غضبا شعبيا، وأطلق موجة مظاهرات واحتجاجات امتدت إلى كل القرى والمدن، لتتحول سريعًا إلى مقاومة مسلحة بمشاركة مختلف الشرائح الاجتماعية.

وكان ذلك، كما يوضح محمد بنطلحة الدكالي، أستاذ علم السياسة والسياسات العمومية بجامعة القاضي عياض بمراكش، في تصريح لـ بلبريس، “لحظة كاشفة لوحدة المصير بين العرش والشعب، حيث أدرك المغاربة أن الدفاع عن الملك هو دفاع عن السيادة، وأن استهدافه هو استهداف لوجودهم الجماعي”.

ويعتبر الدكالي أن ثورة الملك والشعب شكّلت مدرسة في الوطنية والتضحية، مدرسة تدرّس كيف يمكن لوحدة الصف أن تغيّر مجرى التاريخ، قائلا: “لقد أبرزت الثورة التلاحم الأبدي بين الشعب والملك في مواجهة الاحتلال، وأثبتت أن العلاقة بين الطرفين ليست علاقة سياسية عابرة، بل رباط أعمق يستمد شرعيته من البيعة، باعتبارها عقدًا مقدسًا يجسد الولاء والثقة المتبادلة”.

هذا البعد الرمزي، بحسب الدكالي، “يجعل من ثورة الملك والشعب أكثر من حدث تحرري، فهي إعلان لعقد اجتماعي دائم. فالبيعة لم تكن مجرد طقس تقليدي، بل تحولت إلى تجسيد لالتفاف المغاربة حول العرش العلوي، وإلى رسالة للعالم بأن هذه الأمة متشبثة بثوابتها مهما كانت التضحيات”، ويذكّر هنا بقول الملك الراحل الحسن الثاني سنة 1963، حين وصف هذه الرابطة بأنها “خيوط نسجت من عواطف المحبة والأهداف الموحدة”.

لكن هذا العقد، كما يشدد الدكالي، لم يتوقف عند لحظة التحرر الوطني، بل امتد ليصير إطارًا مرجعيًا للسياسة المغربية الحديثة. “فولاء الشعب لملكه يترجم اليوم في الإجماع الوطني حول الوحدة الترابية، وفي الدفاع المستميت عن الصحراء المغربية باعتبارها قضية وجودية”.

وأضاف المتحدث أن “هذا التلاحم يتجلى أيضًا في الإصلاحات الكبرى التي أطلقها الملك محمد السادس، من تعميم الحماية الاجتماعية، إلى بناء بنية تحتية متطورة، مرورًا بتعزيز الدبلوماسية الاقتصادية التي جعلت المغرب فاعلًا محوريًا في محيطه الإقليمي والدولي”.

ويؤكد الدكالي أن “المسار الإصلاحي المعاصر ليس إلا استمرارًا لروح ثورة الملك والشعب”، مشيرا إلى أنه “كما قاوم المغاربة بالأمس من أجل الحرية، فهم اليوم ينخرطون مع ملكهم في معركة التنمية والعدالة الاجتماعية والتقدم، مشيرا إلى أنها معركة تغيير مستمرة، تجعل من المغرب حالة استثنائية في محيطه الإقليمي والجهوي”.

وهكذا، تتحول ذكرى ثورة الملك والشعب من مجرد حدث تاريخي إلى رمز دائم لعقد اجتماعي متجدد؛ عقد يقوم على التضحية والوفاء والالتفاف حول الثوابت الوطنية، ويمتد من معركة التحرر بالأمس إلى معارك التنمية والتقدم في الحاضر والمستقبل.

المقالات المرتبطة

أضف رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *