حكاية جريمة....
الحلقة الثانية
رغم صدور عدة مذكرات بحث في حقها تمكنت فتحية الجلببة من مواصلة نشاطها في الاتجار في المخدرات بعد أن بسطت هيمنتها على مدينة سلا وأصبح مدمنوا المخدرات يفدون من كل حدب وصوب.
نقطة البيع كانت تمون بكميات كبيرة من المخدرات.
كميات تصل من مدن الإنتاج بالشمال عبر شاحنات لنقل البضائع لتمر من مسالك ترابية، وأخرى معبدة بالاسمنت، ومعبدة أيضا بمبالغ مالية كرشوة، توظف ل"شراء الطريق" حسب المصلح المتداول لدى المهربين وتجار المخدرات، لكن النعمة التي تمتعت بها الجلببة ستتحول إلى نقمة بعد أن ذاع صيتها بشكل أصبح يقلق مسؤولين كبار.
تنامي شهرة الجبلية جعل بعض المتورطين معها من المسؤولين يحاولون استغلال الأمر، فالطمع يعمي، وهو ما جعلهم يضغطون من أجل مضاعفة المبالغ الممنوحة لهم مقابل الاستمرار في سياسة إغماض العين التي جعلتها تجني مبالغ مالية ضخمة من احتكار بيع المخدرات، والغريب أن بعض رجال الأمن من الرتب البسيطة في تلك الفترة كان يتفادون الخوض في ملف الجبلية وعلاقتها المتشعبة مع عدد من المسوؤلين خوفا من أن يتم وضعهم في الخانة السوداء من طرف من كانوا يأكلون من شهد المخدرات وأموالها القذرة.
هذه العلاقات المتشعبة، والتي أفلتت بعض خيوطها رغم تفجر الفضيحة ،هي من كانت تضمن بقاء الجبلية حرة، وتضمن أيضا عدم وضع الأصفاد في يد معاونيها الذين كانوا يبيعون الحشيش في الشارع العام، كمن يبيع النعناع أو حلوى الأطفال، بل ويقومون أحيانا بالاعتداء على من لا ينضبط للطابور الطويل الذي كان يقف في انتظار قطعة حشيش تحمل "بركة" الجبلية، خاصة في شهر رمضان الذي توظف فيه الشبكة معاونين جدد من أجل فرض النظام مع تدفق المئات للحصول على حصتهم من الحشيش قبل آذان المغرب بقليل.
مظلة الحصانة التي تمتعت بها الجبلية امتدت أيضا للمقربين منها ممن كانوا يحرصون على أن تعمل آلة توزيع المخدرات بكل طاقتها، و أن يتم تجميع معطيات ومعلومات عن كل منافس جديد، تمهيدا لسحقه، والرمي به في السجن، مع غنم حشيشه ليتم إعادة بيعه في "المرارات" ونقط البيع التابعة للجبلية، وهو ما يفسر لماذا كانت أصفاد الأمن تتمنع عن ملامسة أيادي معاونيها، وتلاحق فقط صغار "البزناسة" والحالمين بالسيطرة على جزء صغير من إمبراطورية الحشيش التابعة لها.
النفوذ الذي أصبحت تتمتع به بارونة المخدرات الجبلية، ساهم في خلق هالة أسطورية حول شخصيها، وحول سر خضوع عدد من المسؤولين لها في مدينة لصيقة بالعاصمة الرباط، هناك حيث يصنع القرار، وحيت توجد الإدارة العامة للأمن الوطني، رغم أن مفاتيح هذا الخنوع كانت واضحة، ولا تحتاج لتشريح أو تدقيق، بحكم رزم الأموال التي كانت تصل بانتظام إلى مكاتب مكيفة كانت تتحكم في تدبير المدينة، بل إن بعض هذه الأموال كانت تشق طريقها عبر وادي أبي رقراق للضفة الأخرى .
الجبلية لم تكن تتمتع فقط بالحصانة الأمنية بل إن سلطتها ونفوذها إمتد ليشمل عدد من سكان الحي الذي اختارته ليحتضن نشاطها المركزي، لتتمكن كبارون المخدرات الكولومبي الشهير "باولو اسكوبار" من كسب تعاطف السكان والجيران الذين تحول بعضهم و بشكل طوعي، إلى معاونين بفضل المساعدات التي كانت تمنح لهم.