منطقة الشرق الأوسط والمأزق الأمريكي

منطقة الشرق الأوسط منطقة فريدة من نوعها، فمنذ ولادتي والصراعات متواصلة، وكانت قبل أن أولد وستستمر بلا شك.

ما يحدث اليوم في المنطقة التي تشتعل من حين لآخر ليس بدعا من الأحداث، ولكنه يدخل ضمن صيرورة المنطقة التي اشتعلت منذ نحو قرن وزاد الاشتعال بعد تأسيس الدولة العبرية، وعليه أصبحت الولايات المتحدة بشكل أو بآخر تتدخل في المنطقة من حين لآخر عبر تل أبيب.

أحيانا تبدو منطقة الشرق الأوسط كالدجاجة التي تبيض ذهبا، إذ لا يُعقل أن يعم السلام في المنطقة دوما، لأن السياسة تتطلب حركية بين السلم والحرب، ومعه تتحرك عجلة الاقتصاد في العالم الغربي خاصة شركات الأسلحة التي تحتاج إلى عملاء باستمرار شأنها شأن أي تجارة في العالم وهذه الصراعات ترفع أسهمها وارقام معاملاتها.

قبل أشهر، وتحديدا في السابع من أكتوبر كتبت افتتاحية عن الغموض الاستراتيجي في المنطقة عندما وجهت إيران صواريخ فرط صوتية لأول مرة صوب إسرائيل.

عندما استخدمت إيران صواريخ فرط صوتية، وهي صواريخ تُستخدم لأول مرة في الحروب، يوم 1 أكتوبر 2024، قال محللون إنه جاء ردا على اغتيال حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله الحليف الاستراتيجي لإيران في المنطقة  وردا على اغتيال هنية واستهداف القنصيلة في دمشق، وغيرها.

يومها دعا الأمريكيون إلى خفض التصعيد مع تكرار دعمهم الأحادي لإسرائيل وحقها في الدفاع عن نفسها. منذ ذلك الحين، أصبح الحديث عن تاريخ ووقت الهجمات الانتقامية الإسرائيلية تجاه إيران مفتوحا على أكثر من احتمال.

وجاء الرد الإسرائيلي بعد أزيد من ثمانية أشهر، حيث شنت إسرائيل في الساعات الأولى من يوم الجمعة، 13 يونيو 2025، سلسلة من الضربات الجوية غير المسبوقة وواسعة النطاق على أهداف داخل الأراضي الإيرانية، شملت منشآت نووية، ومصانع صواريخ باليستية، وقادة عسكريين، وعلماء نوويين.

في فاتح أكتوبر كان جو بايدن في البيت الأبيض وكان المستفيد من الغموض الاستراتيجي يومها هو دونالد ترامب. ويبدو أن إسرائيل هي الأخرى انتظرت حتى يتبين الخيط الأبيض من الأسود في الانتخابات الرئاسية الأمريكية التي أعادت دونالد ترامب إلى الواجهة، وهجومها يوم الجمعة لا يمكن فصله عن ضوء أخضر من واشنطن.

آخر تصريحات ترامب اليوم الأربعاء 18 يونيو زادت الوضع غموضا، فهو يقول إن الأوان في التفاوض مع طهران قد فات، وفي حديث ضمن نفس التصريح، قال إنه لم يفت علاوة على تصريحات أخرى متناقضة تحمل أكثر من نغمة.

وكان قبل يوم قد كتب تغريدة ظريفة على منصته تروث سوشيال مفادها،  أن ’’غادروا طهران فورا’’، وهو أمر سريالي تماما، إذا علمنا أن طهران لا تحتوي على أي مفاعل نووي، ويسكنها الملايين وإخلاؤها يحتاج إلى أسابيع من التخطيط او أشهر بله أن يتم بتغريدة.

إيران في المواجهة الأخيرة لجأت لتقنية الإشباع بصواريخها القديمة التي تطلقها بشكل عشوائي،  في محاولة لإنهاك دفاعات تل أبيب المكلفة، ويبدو أنها نجحت بالفعل في خطتها.

هذا الأمر دفع رئيس وزراء إسرائيل إلى الاستنجاد بواشنطن التي حركت حاملات طائراتها ومقاتلاتها في الشرق الأوسط، وقطعها البحرية وهي تساعد  فعليا في صد الصواريخ التي أصبحت أكثر نوعية من ذي قبل وتصيب الأهداف بدقة بحسب الخبراء.

لكن الولايات المتحدة وتحديدا الرئيس ترامب قد يجد نفسه في مأزق حقيقي مع الشعب الأمريكي، الذي يطالب بخدمات أفضل على مستوى الشغل والصحة والضرائب.

كما أن ترامب لطالما ردد خلال حملته الرئاسية أنه لو كان في البيت الأبيض لما اندلعت الحرب الروسية الأوكرانية، ووجه انتقادات لغريمه في الحزب الديمقراطي بايدن ونائبته كامالا هاريس التي كانت تنافسه في الانتخابات.

بل إنه بنى حملته التواصلية استراتيجيا على خطاب السلم عوض الحرب، مع وعود بالرخاء الاقتصادي كرجل أعمال يجيد الصفقات الاقتصادية، وهو ما قام به في جولته الأخيرة إلى الخليج.

فهل يضحي ترامب بأساس حملته مع الشعب الأمريكي ويساعد إسرائيل فعليا ويدخل الحرب في الشرق الأوسط، أم أنه فقط يناور لكسب مزيد من الوقت؟

أم تراه يراهن على جلوس إيران إلى طاولة المفاوضات، بعد خسائرها البشرية واللوجستية حتى الآن، الجواب الصادم، ستكشفه الأيام المقبلة .