أثار زعيم حزب "فوكس" في مدينة سبتة، خوان سيرخيو ريدوندو، جدلاً سياسياً جديداً بتصريحاته التي اتهم فيها حكومة بلاده بالخضوع لما وصفه بـ"الضغوط المغربية"، معتبراً أن الرباط تتحرك بخطى ثابتة نحو مفاوضات محتملة بشأن مستقبل سبتة ومليلية المحتلتين.
تصريحات ريدوندو التي أدلى بها على قناة Ceuta TV جاءت في سياق انتقاده لما أسماه "المسرحية السياسية" المتعلقة بإعادة فتح الجمارك التجارية مع المغرب، والتي يرى أنها ليست سوى غطاء إعلامي لإخفاء تنازلات دبلوماسية أعمق.
في هذا السياق، لم تكن هذه التصريحات معزولة عن الخطاب العام للمعارضة الإسبانية، إذ سبق للحزب الشعبي، صاحب الأغلبية في البرلمان، أن عبّر عن مخاوف مماثلة. فقد نبه إلى احتمال انخراط حكومة بيدرو سانشيز في مفاوضات ثنائية مع المغرب تنتهي بصيغة من “السيادة المشتركة” على المدينتين، على غرار ما تم التوصل إليه بخصوص جبل طارق مع بريطانيا. خطوة كهذه وُصفت من طرف المعارضة بأنها "سابقة خطيرة" و"تفريط غير مقبول في السيادة الوطنية".
رئيس الحزب الشعبي في إقليم كتالونيا، أليخاندرو فيرنانديز، سخر من هذه التحركات، معتبراً أن ما تسعى إليه الحكومة الإسبانية لن يختلف كثيراً عن النموذج البريطاني-الأوروبي الخاص بجبل طارق، وقال إن "الأمر سيُقدّم كما لو أنه نصر تاريخي، في حين أنه في الحقيقة تنازل يُوثّق في ذاكرة الهواتف لا كتب التاريخ".
الجدل لم يقتصر على السياسيين، بل امتد إلى الصحافة اليمينية، حيث نشرت صحيفة El Debete مقالاً يحذر من أن سبتة ومليلية قد تكونان ضمن "التنازلات المستقبلية" لإسبانيا في سياق إعادة رسم العلاقات الثنائية مع الرباط. واستحضرت الصحيفة ما وصفته بـ"تخلي مدريد عن مطالبها التاريخية في استعادة السيادة على جبل طارق"، معتبرة أن ذلك يشكل تمهيداً لانخراط غير معلن في مفاوضات مع المغرب بشأن وضعية المدينتين الواقعتين في شمال إفريقيا.
لا يبدو أن هذه التحركات تُقرأ بنفس الدرجة من التوجس، بل تُفهم ضمن سياق تطور متدرج في الموقف الإسباني تجاه مطالب الرباط المتكررة بخصوص سبتة ومليلية، اللتين تعتبرهما المملكة ترسبات استعمارية غير منتهية. المغرب، الذي يعتمد مقاربة متأنية في الملف، يواصل تعزيز موقعه الاستراتيجي على المستوى الإقليمي والدولي، مدعوماً بتحالفات متجددة وتزايد وزنه الجيو-اقتصادي.
ومن هذا المنظور، فإن التصريحات الإسبانية تكشف عن ارتباك داخلي أكثر من كونها مؤشرات حقيقية على تنازلات وشيكة، خاصة وأن مسألة السيادة تظل شديدة الحساسية وتخضع لتوازنات معقدة تتجاوز السياق الثنائي المغربي-الإسباني.
ما يثير الانتباه في هذا النقاش المتجدد، هو التحول النسبي في لغة الخطاب الإسباني، التي باتت تستحضر "الاحتمال التفاوضي" مع المغرب، وإن في سياق التحذير أو النقد، ما يعكس إدراكاً متزايداً بأن الوضع القائم لم يعد محصناً كما كان في السابق، وأن الرهانات الجيوسياسية الجديدة تُعيد تشكيل أولويات المنطقة وتفرض على مدريد مراجعة مقاربتها التقليدية، سواء رغبت في ذلك أم لا.