المتتبع للشأن الجامعي المغربي يصاب بالدهشة وبالدوران ، ويصعب عليه فهم السياسة الحكومية التعليمية المتبعة بالمغرب، ففي الوقت الذي تحاول الدولة فيه البحث عن تأهيل الجامعة المغربية ،نجد أن الحكومة والوزارة الوصية عاجزتان في تعيين حتى رؤساء بعض الجامعات وعمداء بعض الكليات اللذين يسيرون بالنيابة هاته المؤسسات لأكثر من سنة وعلى رأسها جامعة محمد الخامس أعرق جامعة مغربية، وكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية اكدال اقدم كلية .
أقول هذا الكلام لان الوضع داخل هاته المؤسسات اصبح لا يطاق ، وان كل تأخير في تعيين رئيس الجامعة وعميد الكلية هو هدر للزمن الجامعي ، نظرا لمهام واختصاصات رئيس الجامعة ومهام واختصاصات العميد وفق القانون التنظيمي رقم 00.01 المتعلق بالتعليم العالي .
وضعية الجامعة في القانون00.01: خول القانون السالف الذكر للجامعات موقعا محوريا. وحسب
مادته 4 تعتبر الجامعات مؤسسات عمومية تتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال الإداري والمالي .
وتخضع لوصاية الدولة التي تهدف إلى ضمان تقيد الأجهزة المختصة في هذه الجامعات بأحكام هذا القانون .
كما منحت المادة 5 للجامعات في إطار مزاولة المهام المسندة إليها الاستقلال البيداغوجي والعلمي والثقافي مع مراعاة أحكام هذا القانون يمكن للجامعات أن تبرم مع الدولة عقودا لسنوات عدة بشأن بعض أنشطة التكوين والبحث .اما المادة 7 فقد أعطت الحق للجامعات ، في إطار المهام المسندة إليها بموجب هذا القانون أن تقدم بموجب اتفاقيات خدمات بمقابل وأن تحدث محاضن لمقاولات الابتكار وأن تستغل البراءات والتراخيص وأن تسوق منتجات أنشطتها .
يتبين اذا من المواد السالفة الذكر ان المشرع قد منح للجامعات اختصاصات مهمة واسعة ومتنوعة ، لكن المشكل وهذا ما أبانت عليه الممارسات ان بعض الجامعات المغربية لا تمارس هذه المهام بكيفية مهنية وفعالة وشجاعة نتيجة "بروفيلات "الرؤساء المعينين لرئاسة الجامعات اللذين ما زالوا يدبرون الجامعات بالتعليمات بدل المبادرات.
وضعية رئيس الجامعة في القانون 00.01: نصت المادة 15 منه انه يسير الجامعة رئيس لمدة أربع سنوات ، يختار بعد إعلان مفتوح للترشيحات من بين المترشحين الذين يقدمون مشروعا خاصا لتطوير الجامعة، ومن المؤسف ان لا الحكومة ولا الوزارة تلتزم بتطبيق المبدأ الدستوري ربط المسؤولية بالمحاسبة، بمعنى ان تعيين رئيس الجامعة يتم على أساس دفتر تحملات لتطوير الجامعة بكل مؤسساتها، لكن عندما تنته ولايته فانه لا يخضع لأي محاسبة اللهم ما يصرح به تقرير المجلس الأعلى للحسابات، رغم ان بعض الرؤساء كانوا كارثيين في التدبير والحكامة والديمقراطية التشاركية في بعض الجامعات ، وحولوا المؤسسات الجامعية "لاجندات سياسوية ضيقة". واعتقد ان الوزير الحالي يتحمل كامل المسؤولية في تطبيق مقتضيات الدستور خصوصا ربط المسؤولية بالمحاسبة على عدد من رؤساء الجامعات الذين ينهون ولاياتهم دون تقديم أي حساب حول مشروع تعيينهم في مناصب سامية.
اختصاصات رئيس الجامعة في القانون رقم 00.01: خولت المادة 16 عدة اختصاصات لرئيس الجامعة من أهمها:
* يرأس رئيس الجامعة مجلسها ويقوم بتحضير قراراته وتنفيذها ويتلقى اقتراحاته وآرائه ، ويحدد جدول أعماله طبقا للشروط المحددة في النظام الداخلي للمجلس .
* يبرم الاتفاقات والاتفاقيات بعد موافقة مجلس الجامعة ويقوم بجميع الأعمال التحفظية.
* يوقع على الشهادات الوطنية والشهادات الخاصة بالجامعة المسلمة من لدن المؤسسات التابعة لها.
* يمثل الجامعة أمام القضاء ويؤهل لرفع الدعاوى والدفاع باسمها.
* يقوم بالتنسيق بين المؤسسات الجامعية التابعة للجامعة.
* يعين جميع الأساتذة الباحثين ومستخدمي الجامعة.
* يحدد مقرات تعيين الأساتذة والمستخدمين الإداريين والتقنيين بالمؤسسات الجامعية ومصالح الجامعة والمصالح المشتركة .
* رئيس الجامعة هو الآمر بقبض موارد الجامعة وصرف نفقاتها.
* يفوض مجموع أو بعض سلطه كآمر بالصرف إلى عمداء ومديري المؤسسات الجامعية فيما يتعلق بالميادين الراجعة إلى اختصاصاتهم ولا سيما فيما يتعلق بميزانية التسيير وكذا التجهيز.
* يسهر على احترام النصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل والنظام الداخلي داخل حرم الجامعة، ويجوز له أن يتخذ جميع التدابير التي تستلزمها الظروف طبقا للتشريع الجاري به العمل.
يتبين من مضمون المادة 16 ان لرئيس الجامعة اختصاصات هامة خصوصا انه الآمر بالصرف بقبض موارد الجامعة وصرف نفقاتها الى جانب المهام الحيوية الأخرى.
وعليه ، وانطلاقا من مضمون المادتين 16 و17 من القانون السابق ذكره تتبين حساسية وأهمية وضعية رئيس الجامعة ومخاطر تركه يدبر الجامعة بالنيابة ،الأمر الذي دفع الكل يتساءل: كيف لجامعة مثل جامعة محمد الخامس التي تخرج منها جلالة الملك وكل النخب السياسية والدستورية والاقتصادية ان تبق لأكثر من سنة ونصف دون رئيس؟ كيف للحكومة الحالية التي تدعي إرادة الإصلاح لمنظومة التعليم تعجز في تعيين رئيس جامعة؟ كيف ولماذا عجز الوزير الحالي للتعليم العالي الرئيس السابق لجامعة محمد الخامس في تعيين رئيس الجامعة ؟ اين هي سياسة الإصلاح والحكامة الزمانية؟ هل يعقل ان تبق أعرق جامعة بدون رئيس لأكثر من سنة؟ ومتى سيتم الإعلان عن تعيين رئيس الجامعة؟ وهل المسؤولون عن قطاع التعليم العالي واعون بهذا الفراغ المؤسساتي وتداعياته على جامعة محمد الخامس بكل مؤسساتها ومعاهدها ومدارسها العليا وكلياتها؟ وهل المسؤولون واعون بخطورة هدر الزمن الجامعي وتداعياته على مستقبل البحث العلمي والتنمية؟
ومن المسؤول في تأخير هذا التعيين؟ ولماذا هذا الصمت الرهيب حول هذا التأخير واين حق المواطن في المعلومة التي اصبحت حقا دستوريا؟
اننا بطرح هذه الأسئلة لا نشك في قدرات ومؤهلات ومجهودات الرئيس الحالي بالنيابة ، لكن هدفنا الأساس هو اثارة الانتباه الى خطورة تأخير اعلان نتيجة تعيين رئيس جامعة جديد لممارسة مسؤولياته كاملة في زمن اصلاح وتطوير منظومة التعليم العالي والبحث العلمي وفق مضامين الخطابات الملكية الأخيرة ، ووفق توجهات الرؤية الاستراتيجية للإصلاح 2015/ 2030.
موقع ومهام العميد في القانون 00.01: يحتل العميد موقعا مهما في هرم الكليات، وحسب المادة 21 من القانون السابق ذكره :
* يقوم العميد أو المدير بتسيير المؤسسة الجامعية وبتنسيق جميع أنشطتها
* يرأس مجلس المؤسسة ويحدد جدول أعماله وفق الشروط المحددة فــــي النظام الداخلي للمجلس .
* يسير مجموع المستخدمين المعينين للعمل بالمؤسسة .
* يسهر على حسن سير الدراسات وأعمال مراقبة المعلومات ويتخذ جميع التدابير الملائمة لهذه الغاية .
* يتفاوض في شأن اتفاقات واتفاقيات التعاون التي تعرض على مجلس الجامعة للمصادقة عليها .
* ويسهر تحت إشراف رئيس الجامعة على احترام النصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل والنظام الداخلي داخل حرم المؤسسة ، ويجوز له أن يتخذ جميع التدابير التي تستلزمها الظروف طبقا للتشريع الجاري به العمل.
يتبين من مضمون المادة 21 من القانون ان للعميد مهام أساسية في تدبير شؤون الكلية ، ومن المؤسف ان تبق أقدم كلية بالمغرب الا وهي كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية اكدال الرباط التي هي منبت انتاج النخب بعميد بالنيابة لأكثر من سنة ونصف، الامر الذي نتج عنه شبه فوضى داخل الكلية واثرت سلبا على الأساتذة والطلبة والاداريين وعلى الفضاء بأكمله.
ونفس الأسئلة التي سألنا حول التأخر في تعيين رئيسا لجامعة محد الخامس نطرح نفس الأسئلة : كيف يعقل ان تبق أعرق كلية التي درس تخرج منها جلالة الملك وكل النخب ان تبق لأكثر من سنة ونصف دون عميد؟ لماذا عجزت للحكومة الحالية التي تتحدث عن اصلاح لمنظومة التعليم في تعيين عميد كلية؟ كيف ولماذا عج الوزيرالحالي للتعليم العالي الرئيس السابق لجامعة محمد الخامس في تعيين عميد الكلية وهو الذي يعرف المحن والصراعات والتجاذبات التي مرت بها الكلية ؟ اين هي سياسة الإصلاح والحكامة الزمانية؟ هل يعقل ان تبق أعرق كلية بدون عميد لأكثر من سنة وهي المقبلة ان تحتضن ولي العهد لمتابعة دراساته العليا؟ ومتى سيتم الإعلان عن تعيين عميد الكلية؟ وهل المسؤولون عن قطاع التعليم العالي واعون بهذا الفراغ المؤسساتي وتداعياته على الأساتذة والطلبة والإداريين؟. ومن يتحمل مسؤولية هذا التاخر؟ واين حق الوصول للمعلومة كحق دستوري؟
اننا لا نستهدف جلد الذات او شخص ما بل نستهدف الدفاع عن المؤسسات لكون الأشخاص زائلون والمؤسسات باقية ، فلا احد يشك في قدرات ومؤهلات ومجهودات العميد الحالي بالنيابة وغيرته عن المؤسسة ، لكن هذا لا يمنع من دق ناقوس الخطر ان كل تأخير في تعيين عميد لأقدم كلية ستكون له عدة تداعيات ومخاطر ونحن في زمن اصلاح وتطوير منظومة التعليم العالي والبحث العلمي؟.
فمتى سيطلق سراح تعيين رئيس جامعة محمد الخامس ؟ وتعيين عميد كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية اكدال؟
ان الوضع العام بالجامعات والكليات المغربية مقلق ، وقد أشار الى ذلك الخطاب الملكي أكثر من مرة وبالخصوص في خطاب 20 غشت 2013 بمناسبة الذكرى 60 لثورة الملك والشعب قائلا: " غير أن ما يحز في النفس أن الوضع الحالي للتعليم أصبح أكثر سوءا، مقارنة بما كان عليه الوضع قبل أزيد من عشرين سنة".
فهل فهم المسؤولون رسائل ودلالات الخطاب الملكي؟