احمد العماري
يلاحظ كل المهتمين بالسياسة التعليمية بالمغرب، ان هناك بعض القوى والاقلام والأطراف همها هو التشويش على كل ما هو ناجح في هذا البلد السعيد، والتشويش على انجازات اشخاص ونجاحاتهم دون بذل أي مجهود في البحث عن الحقيقة قبل اصدار احكام لا اساس لها من الصحة، ضاربة كل عمل ناجح عرض الحائط ومبخسة كل مبادرة متميزة ، بل دون اتخاذ أي خطوة للاتصال بهم والاخذ برأيهم في الموضوع او على الأقل طلب معطيات دقيقة حول حصيلتهم وهو ابسط أبجديات العمل الصحفي والأمانة العلمية.
هذه الممارسة أصبحت ظاهرة ثابتة في السياق المغربي عموما، وبمجال منظومة التربية والتكوين خصوصاـ وذاهبة مع -الأسف - للانتشار بشكل رهيب.
أقول هذا الكلام، وانا استحضر المقاومات والهجومات المجانية والشرسة والتشويش التي رافقت انجازات محمد حصاد وزير التربية الوطنية السابق، الذي أبان عن قدرات كبرى في اصلاح منظومة التربية والتكوين، ونفس المقاومات والهجومات المجانية والشرسة والتشويش أصابت إنجازات الراحل محمد الوفا وزير التربية الوطنية السابق رغم مجهوداته الرائدة في المنظومة وتحريكه للمياه الراكدة في مجال التربية والتكوين.
هذا القطاع الذي يعد من أصعب القطاعات الحكومية، -والله يكون في عون من يتحمل الحقيبة الوزارية للتربية وللتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي - لكونه قطاع لا يخرج من اصلاح حتى يدخل في اصلاح، ولا يخرج من ازمة حتى يدخل في أخرى، قطاع وزاري ليس كباقي القطاعات الوزارية بنوعية موارده البشرية وتحدياته المالية واللوجستيكية ووظائفه المعرفية والعلمية.
أقول كل وزراء التربية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي المتعاقبين على هذا القطاع الاستراتيجي والهام في السنوات الأخيرة واجهوا هجومات مجانية وتشويشات ممنهجة ،هدفها الإساءة الى الوزير / الشخص وليس الوزير المؤسسة. واقصد الوزيران محمد حصاد ومحمد الوفا بالأمس,، واليوم توجه نفس الهجومات المجانية والتشويشات الممنهجة الى سعيد امزازي وزير التربية والوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي الناطق الرسمي باسم الحكومة. خصوصا بعد تقديم والي بنك المغرب عبد اللطيف الجواهري تقريره السنوي حول الوضعية الاقتصادية والنقدية
للمغرب، لجلالة الملك محمد السادس، بالقصر الملكي بمدينة فاس، حول المشاكل التي تعانيها المنظومة التربوية في البلاد اهمها: الاحتجاجات المتواصلة للعديد من الفئات توحي بوجود توترات من شأنها التأثير على المردودية، الإضرابات الاجتماعية المتكررة في قطاع التربية والتعليم، البطء “في تنزيل مقتضيات ميثاق التربية والتكوين لسنة 2015، ومشاكل القانون الإطار في 2019، التأخر في إعداد النصوص التطبيقية لهذا القانون ، أزمة فيروس كورونا، التي افرزت بعض مظاهر القصور في منظومتنا التربوية، حيث تضررت العملية التعليمية بشكل كبير من جراء إغلاق المدارس وضعف البنية التحتية التي من شأنها أن تسمح باعتماد طرق تعليمية بديلة وفعالة”، معتبراً بأن الجائحة، كانت “اختبارا حقيقيا لصمود بلدنا وتقييما لمدى حكمة خياراتنا وسياساتنا”.
صحيح، كل ما جاء به تقرير الجواهري حول منظومة التربية والتكوين حوله اجماع، وعلى أساسه تم تعيين سعيد امزازي على هذا القطاع ،وهو ما عمل عليه الوزير من خلال وضع مخطط استراتيجي ومفصل شرع في تنزيله للحد من هذه الاختلالات وإيجاد حلول لها في اطار مبدأ الديمقراطية التشاركية باعتباره مبدا دستوريا والذي من الصعب لأي وزير تطبيقه في ظل الواقع السياسي والنقابي المغربي الذي تخترقه الكثير من الشعبوية والسياسوية .
ولتوضيح الأمور حول ما جاء به تقرير الجواهري لا بد من وضع هذه القضايا في سياقها العام ،قبل اصدار الاحكام المجانية والشاملة على وزير قدم الكثير لقطاع التربية والتكوين، وخير دليل على ذلك ، هو وضع قطاع اصلاح التعليم على سكته الحقيقية رغم كل الصعوبات والعراقيل ،وهو ما أجمعت عليه الفرق البرلمانية اغلبية ومعارضة ابان تقديم السيد الوزير لحصيلة القطاع الذي يشرف عليه,.
وهنا ، يجب ان لا نغفل ان ملف التعليم هو قطاع معقد واجتماعي، تتداخل فيه عدة أطراف. وعرف هزات عنيفة وانتكاسات ونجاحات وخضع لمقاربات سياسوية وحزبية ضيقة لسنوات ولسنوات، واليوم في عهد امزازي فقد توفق الوزير على الأقل في خلق توازن، وإعطاء دينامية للقطاع، ونهج مقاربة إصلاحية تستهدف النظام التعليمي وليس اصلاح الأشخاص.
امزازي توفق في تحريك عدد من الملفات الثقيلة والساخنة التي كانت على الرفوف منذ سنوات ، وكانت له الجرأة السياسية ان يتخذ قرارات قد تكون جريئة لكنها كانت ضرورية، والدليل على ذلك:
· هو انه كان من أكثر وزراء حكومة العثماني حضورا وتواصلا وتفاعلا وحركية وانفتاحا وانصاتا لكل وجهات النظر الفرقاء كما يعتبر الوزير الوحيد الذي جاب المملكة المغربية من طنجة الى الكركرات ،وكل جهات المملكة الوقوف على اصلاح اوراش القطاع ومدى تقدم هذه الإصلاحات على ارض الواقع حتى في عز جائحة كورونا.
· امزازي سعيد وزير التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي هو وزير ضمن فريق حكومي يترأسه رئيس الحكومة ،وبالتالي فبعض القرارات لا سيما ذات البعد الاجتماعي والمالي والتشريعي لا بد لها ان تمر عبر مساطر وتوافقات حكومية .
· امزازي سعيد خاض حربا طويلة لتمرير القانون الإطار 51-17 الذي أنهك الوزير والحكومة بسبب المواقف السياسوية مما أهدر زمنا مهما من عمر الزمن الحكومي.
· ليس امزازي هو المسؤول عن الإضرابات ولكن حتى النقابات تتحمل المسؤولية لان تعاقد الوزير مع النقابات الاكثر تمثيلية يجب ان يحظى بموافقة وزارة المالية ووزارة الشؤون الإدارية, وزارتان لهما أولوياتهما ضمن الفريق الحكومي وليس هناك قطاع التعليم وحده وان كان من الأولويات.
· كل اصلاح عميق لمنظومة التربية والتكوين يتطلب إمكانيات مالية ضخمة ومساطر وتوافق حكومي, وسقف زمني.
· امزازي لم يعين وزيرا على القطاع الا سنة 2018 ، أي بسنتين على بداية جائحة كورونا، وعكس ما يقال فقد توفق الوزير امزازي بتعاون مع مدراء الأكاديميات ورؤساء الجامعات والعمداء والمدراء الإقليميين والأساتذة بمختلف اسلاكهم والاطر الإدارية تدبير الجائحة بكيفية جيدة وفق المنهجية الاستشرافية التي حدد اطارها العام صاحب الجلالة، عكس انهيار هذه المنظومة في اقوى الدول عالميا.
اننا لا نريد ان ننزه عمل الوزير في قطاع معقد واجتماعي ،صحيح هناك عدة نواقص لكن ليس الوزير هو المسؤول المباشر عليها، بل نريد الانصاف وثقافة الاعتراف والموضوعية وعدم الظلم وإصدار الأحكام الجاهزة على شخصيات عمومية قدمت الشيئ الكثير في قطاعها .
هذا القطاع الكبير والمتشعب كمنظومة التربية والتكوين تظهر فيه الانجازات وثمار المجهودات بعد عقد من الزمن على ارض الواقع ،لذى يجب عدم التسرع للحكم ، وبعد مرور هذا العقد ، انذاك يمكن ان نقدم تقييما حقيقيا عمليا وموضوعيا على أداء من يتحمل حقيبة التعليم .
والأكيد ان التاريخ هو من سيحكم على عمل امزازي وليس من له خلفية معينة، لان الواقع لا تغييره الكلمات والانتقادات والاحكام الجاهزة ، بل الاعمال والإنجازات والممارسات.
وغريب ان الذين اعتمدوا تقرير الجواهري للتشويش على الإنجازات التي حققت في قطاع التعليم ان يتجاهلوا جملة بسيطة لكنها عميقة الدلالة ودرت في أخر التقرير تقول بأن الجائحة كانت: “اختبارا حقيقيا لصمود بلدنا وتقييما لمدى حكمة خياراتنا وسياساتنا”. انه الحقيقة التي عمد المشوشون اغفالها.