أحرز المغرب مرتبة “متوسطة الإيجابية” ضمن التصنيف العالمي للبيئة الخيرية لسنة 2025، حسب التقرير الصادر عن “مدرسة ليلي للأعمال الخيرية” التابعة لجامعة إنديانا الأمريكية.
وقيم التقرير، الذي غطى الفترة بين يناير 2021 ودجنبر 2023، بيئة العمل الخيري في 95 دولة، حيث رصد تحولات هذه المرحلة التي وُصفت بـ“الانتقالية” بعد جائحة كوفيد-19، في ظل ارتفاع التضخم، وتوسع الذكاء الاصطناعي، وتزايد النزاعات المسلحة، والتحديات المناخية.
وجاء تصنيف المغرب ضمن الفئة التي تتراوح درجاتها بين 3.50 و3.99 من أصل 5، ما يعكس وجود بيئة مواتية نسبيا للعمل الخيري، وفقًا للمؤشر العالمي، وإن كانت لا تزال أقل من المستويات التي بلغتها بعض الدول المتقدمة أو الجارة التي نفذت إصلاحات هيكلية في السنوات الأخيرة. وبيّن التقرير أن 61 بالمائة من الدول المشمولة في الدراسة توفّر بيئة خيرة مواتية، فيما 39 بالمائة منها تقع في فئة “البيئة المقيدة”، وهو ما يعزز مكانة المغرب ضمن الشطر الإيجابي من التصنيف.
في مقابل ذلك، جاءت دول مثل الولايات المتحدة وكندا والسويد وسويسرا والإمارات في صدارة الترتيب، بتحقيق درجات تفوق 4.5، بينما تذيلت القائمة دول مثل زيمبابوي وميانمار وإيران، بأقل من 2.50 نقطة.
ويستند التقرير في تقييمه إلى محاور متعددة من بينها سهولة تشغيل المنظمات الخيرية، وحرية تلقي وتوزيع الهبات، والتشريعات الضريبية، والمناخ السياسي والاجتماعي.
في السياق العربي، أشار التقرير إلى التطور الملحوظ في المملكة العربية السعودية التي انتقلت من فئة “البيئة المقيدة” إلى “بيئة مواتية” بفضل إصلاحات ملموسة سهلت تأسيس المنظمات، وألغت الحد الأدنى لرأسمال المؤسسات الخيرية، وخفضت زمن الإجراءات الإدارية إلى أقل من ثلاثين يوماً.
أما المغرب، فرغم بقائه في الفئة “المتوسطة الإيجابية”، فقد سجل تحسناً طفيفاً مقارنة بتقرير 2022، دون أن يحقق قفزة نوعية في المؤشرات الأساسية المكونة للبيئة الخيرية، مثل تسهيل إجراءات التأسيس، وحرية تلقي التمويل الخارجي، والإطار القانوني للشفافية المالية.
ومع ذلك، أشار التقرير إلى أن المغرب يتمتع بإطار اجتماعي وثقافي داعم للعمل الخيري، وهو ما يشكل قاعدة صلبة للبناء، خاصة في ظل تزايد اهتمام الشباب بالمسؤولية الاجتماعية، وظهور فرص جديدة مرتبطة بانتقال الثروات بين الأجيال.
وفي الوقت الذي أقر فيه التقرير بوجود معيقات، أبرزها تعقيد الإجراءات الإدارية وضعف الحوافز الضريبية للمانحين، فإنه شدد على أن مستقبل العمل الخيري بالمغرب يحمل فرصاً واعدة.
وأشار إلى أن التحول الرقمي، رغم أنه لا يزال محدوداً، يمكن أن يشكل رافعة حقيقية لتطوير طرق التبرع، وتحسين الاتصال بالمستفيدين، وتعزيز الشفافية وتقييم الأداء، كما هو الحال في عدد من الدول التي اعتمدت أدوات رقمية مبتكرة.
ومن أبرز التحديات التي رصدها التقرير على الصعيد الدولي، تراجع بيئة العطاء عبر الحدود، حيث سجلت نصف الاقتصادات المدروسة تضييقاً في هذا المجال نتيجة تشديد الرقابة الحكومية والسياسات التنظيمية، وهو ما يؤثر على الدول التي لا تتوفر على تمويل محلي قوي.
غير أن التقرير ذاته أعاد التأكيد على أن تحسين بيئة العمل الخيري لا يتوقف فقط على سياسات الحكومات، بل يتطلب تآزراً بين القطاع العام، والمجتمع المدني، والقطاع الخاص.
ويرى معدو التقرير أن المغرب، كاقتصاد ناشئ بإمكانيات تنموية واعدة، يقف على أعتاب مرحلة جديدة، يمكن أن تؤهله للانتقال إلى بيئة خيرية ناضجة وشاملة، لكن رهين بتطوير منظومة قانونية ملائمة، وتبسيط مساطر الترخيص، وتوسيع نطاق الرقمنة، إلى جانب تشجيع الشفافية المالية، وتحفيز الشراكات الفاعلة بين الفاعلين المؤسساتيين.