شباب ونساء على رأس جماعات ترابية .. طفرة نوعية في تدبير الشأن المحلي والجهوي

شهدت انتخابات 8 شتنبر انخراطا واسعا للشباب والنساء سواء كمرشحين، أو كناخبين، وهو ما عكسته نسبة المشاركة المهمة المسجلة والتي تجاوزت 50 في المائة.

وقد تعزز هذا الحضور اللافت بانتخاب عدد غير مسبوق من الشباب، من الجنسين، على رأس عدد من الجماعات، مما جعل من هذه الاستحقاقات محطة أساسية لتكريس دور هذه الفئة في صنع القرار المحلي، وفرصة لضخ دماء جديدة في دواليب العمل الجماعي وكذا الجهوي، وكذا تعزيز الثقة في قدرة الشباب على التجاوب أكثر مع تطلعات الساكنة.

فقد افرزت هذه الاستحقاقات متغيرا مهما يتمثل في كون الشباب أصبح يضطلع بدور في صناعة القرار المحلي والجهوي بعد أن كان الظفر بعضوية المجالس بالنسبة لهذه الفئة، في التجارب السابقة، يواجه صعوبات كثيرة. فتقلد مسؤولية رئاسة جماعة يعد مؤشرا مهما على ارتفاع معدل المشاركة السياسية للشباب، وعلى الثقة التي أصبحت تحظى بها هذه الفئة في الآونة الأخيرة.

وإذا كان الحضور الوازن للعنصر النسائي على مستوى الترشيحات المقدمة في مختلف هذه الاستحقاقات يرجع إلى التعديلات القانونية التي أقدمت عليها الدولة على مستوى القوانين التنظيمية المؤطرة للعملية الانتخابية،فإن وضع الثقة في نساء شابات وانتخابهن لرئاسة المجالس الجماعية والجهوية يعبر عن إرادة سياسية أكيدة وتحول نوعي وايجابي في تعاطي الهيئات السياسية مع تمثيلية المرأة.

كما أن تمكين وجوه شابة من الجنسين من رئاسة جماعة، حضرية وقروية، يترجم الرغبة في ضخ دماء جديدة في شرايين الهيئات السياسية من خلال تقديم أفكار ومساهمات ملموسة وناجعة للنهوض بالعمل الحزبي، ومواكبة التحولات والديناميات الجديدة التي تعيشها المملكة، والانخراط الواعي والمسؤول لهذه الهيئات من أجل استعادة الثقة السياسية في المسلسل الانتخابي وإعطائه مضمونا يلبي انتظارات المواطنين ويسترجع ثقتهم.

وهكذا، يشكل انتخاب عدد من الشباب من بينهم عبد الله الناجي عن التجمع الوطني للأحرار رئيسا للمجلس الجماعي الويدان بعمالة مراكش، وجمال إمرهان رئيسا جديدا لجماعة أسني بإقليم الحوز عن نفس الحزب نموذجا ملموسا للتغيرات التي أفرزتها هذه الانتخابات، على مستوى رئاسة المجالس الجماعية.

نفس الأمر ينسحب على جماعة لالا تاكركوست بدائرة أمزميز، الذي انتخب فيها كمال أمعيوض المنتمي لحزب التجمع الوطني للأحرار، رئيسا جديدا للجماعة، و جماعة تيديلي-مسفيوة، حيث آلت الرئاسة لرشيد راسو عن نفس الهيئة السياسية.

ولم تحد النساء خاصة الشابات منهن، عن هذا المتغير، حيث كان حضورهن متميزا لاسيما في المجالس القروية التي ظفرن برئاسة العديد منها، وذلك تكريسا لمبدأ المناصفة ورفع تمثيليتهن داخل المجالس المنتخبة وتشجيعهن على المساهمة في تدبير الشأن المحلي وتحقيق التنمية المجالية.

وفي هذا الصدد، انتخبت إلهام بلكاس، تلميذة بمستوى الثانية الباكالوريا، رئيسة لجماعة سيدي الذهبي إقليم سطات، عن حزب التجمع الوطني للأحرار، وتمكنت الطالبة إكرام بوعبيد التي لا يتجاوز عمرها ال21 ربيعا من انتزاع رئاسة الجماعة القروية أولاد علي الطوالع التابعة لإقليم ابن سليمان باسم حزب جبهة القوى الديمقراطية.

كما تمكنت الشابة، نورة توحسة عن حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، من الظفر برئاسة مجلس جماعة "سيدي بورجا" نواحي إقليم تارودانت، وانتخاب البرلمانية الشابة مريم وحساة عن حزب التقدم والاشتراكية لرئاسة الجماعة القروية تيزي نيسلي بإقليم بني ملال.

من جهة أخرى، شكل انتخاب نبيلة الرميلي عن حزب التجمع الوطني للأحرار ، رئيسة للمجلس الجماعي لمدينة الدار البيضاء، سابقة حيث أنه ولأول مرة تنتخب إمراة عمدة للعاصمة الاقتصادية للمملكة، فيما انتخبت فاطمة الزهراء المنصوري المنتمية لحزب الأصالة والمعاصرة رئيسة للمجلس الجماعي لمدينة مراكش للمرة الثانية بالمدينة الحمراء.

والملاحظ أن هذا الزخم الذي تحقق على مستوى رئاسة مجالس الجماعات الترابية، لم يتم تسجيله في انتخاب رؤساء مجالس الجهات إلى حدود اليوم ، حيث تم انتخاب رئيسة وحيدة هي امباركة بوعيدة عن حزب التجمع الوطني للأحرار لجهة كلميم-واد نون.

إن مشاركة الشباب والنساء في الحياة السياسية وتدبير الشان المحلي والجهوي تعتبر ضرورة في تقوية البناء الديمقراطي وتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وأيضا تكريسا واضحا لمضامين الدستور القاضي بتحقيق المناصفة بين الجنسين وتشجيع تكافؤ الفرص بين النساء والرجال في ولوج المجالس المنتخبة.

كما يمثل تجسيدا للفصل 33 من الدستور الذي يلزم السلطات العمومية على اتخاذ التدابير الملائمة لتحقيق توسيع وتعميم مشاركة الشباب في التنمية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية للبلاد، لكونهم أقدر على التأثير في صناعة القرار السياسي والتنموي، باعتبارهم فاعلين محوريين في الوصل بين السياسية والمجتمع. فضلا عن كونهم يشكلون الفئة الأكثر تحررا من القيود الاجتماعية المفروضة، مما يؤهلهم لاستيعاب أكثر من غيرهم لتطلعات جيلهم وانتظارات الساكنة.


شاهد أيضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.