دبلوماسية هادئة تحصد الانتصارات: هكذا أعاد المغرب رسم الخارطة بأمريكا اللاتينية (تقرير)
في تتويج لمسار دبلوماسي مدروس، شهدت الرباط إعلاناً تاريخياً من بنما، الدولة ذات الثقل الاستراتيجي، التي أكدت على لسان وزير خارجيتها خافيير مارتينيز-آشا دعمها الكامل لمبادرة الحكم الذاتي، واصفة إياها بالحل "الوحيد والنهائي" للنزاع المفتعل حول الصحراء المغربية. هذا الموقف لا يمثل مجرد تحول في سياسة بنما، بل هو أحدث حلقة في سلسلة من الانتصارات الهادئة التي نجحت من خلالها الرباط في إعادة رسم الخارطة الجيوسياسية في أمريكا اللاتينية، القارة التي كانت لعقود طويلة معقلاً للدعم الإيديولوجي للمشروع الانفصالي.
ولم يأتِ الموقف البنمي من فراغ، بل كان تطوراً منطقياً بدأ في نوفمبر 2023 بقرار سيادي بتعليق العلاقات مع الكيان الوهمي، قبل أن يتسارع المسار مع وصول الرئيس خوسيه راؤول مولينو إلى السلطة في يوليو 2024، ليتوج بزيارة وزير الخارجية إلى الرباط وتأكيد الانتقال من مجرد تعليق إلى دعم صريح، معلناً عن "مرحلة جديدة" من العلاقات الثنائية القائمة على البراغماتية والمصالح المشتركة.
هذا الاختراق الدبلوماسي لم يكن حدثاً معزولاً، بل جاء ليكمل سلسلة من التحولات العميقة التي شهدتها القارة. فقبله، كانت بيرو قد سحبت اعترافها بالكيان الوهمي في 2023، وسبقتها السلفادور في 2019 بخطوة مماثلة، بينما ترجمت الإكوادور موقفها إلى إجراء عملي بإغلاق الممثلية الانفصالية على أراضيها، موجهةً ضربة قاصمة لشبكات الدعاية. وفي دول وازنة كالبرازيل وتشيلي، يتنامى الدعم للموقف المغربي بقوة داخل المؤسسات التشريعية، مما يمهد الطريق لتغييرات رسمية مستقبلية، في حين عززت دول مثل كولومبيا والباراغواي وغواتيمالا مواقفها الداعمة لمبادرة الحكم الذاتي.
ويعود هذا التحول الجذري إلى استراتيجية مغربية متعددة الأوجه، تخلت عن المواجهة الإيديولوجية وركزت على دبلوماسية الواقعية والمصالح المشتركة.
فمن خلال تقديم نفسه كقوة استقرار وشريك تنموي موثوق عبر مبادرات ملكية كبرى، كمشروع أنبوب الغاز نيجيريا-المغرب ومبادرة تسهيل ولوج دول الساحل إلى المحيط الأطلسي، أصبح المغرب خياراً استراتيجياً جاذباً لدول المنطقة. وفي الوقت ذاته، اكتسب مقترح الحكم الذاتي مصداقية دولية متزايدة، بعد أن وصفته قرارات مجلس الأمن المتعاقبة بـ"الجدي وذي المصداقية"، مما وفر غطاءً سياسياً وقانونياً للدول التي تختار مراجعة مواقفها.
وهكذا، لم تعد أمريكا اللاتينية ملعباً سهلاً للدعاية الانفصالية، بل تحولت إلى ساحة يرسخ فيها المغرب انتصاراته، مُثبتاً أن موازين القوى قد تغيرت بشكل لا رجعة فيه بفضل رؤية استراتيجية واضحة ودبلوماسية فعالة تجمع بين الحزم والمرونة.