لماذا يُعد استعمال عبارة ‘الساكنة الأصلية’ في قضية الصحراء المغربية انزلاقاً خطيراً؟

حذّر الدكتور محمد الطيار، رئيس المرصد الوطني للدراسات الإستراتيجية، من خطورة توظيف مصطلح “الساكنة الأصلية” عند الحديث عن سكان الأقاليم الجنوبية للمملكة، مشدداً على أن هذا التعبير، رغم ما قد يحمله من حسن نية، يُعد منزلقاً مفاهيمياً قد يُسيء إلى الأسس القانونية والتاريخية التي ترتكز عليها السيادة المغربية على صحرائها.

 

وقال الطيار إن “هذا المصطلح بدأ يتسلل إلى بعض الخطابات الإعلامية والمدنية وحتى السياسية، دون إدراك لحمولته القانونية والسياسية في القانون الدولي، الذي يُحيل عند استعماله إلى حالات مغايرة تماماً للواقع المغربي”.

 

وأَضاف أن المفهوم، كما هو معتمد في إعلان الأمم المتحدة بشأن حقوق الشعوب الأصلية لسنة 2007، واتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 169 لسنة 1989، يُطلق على جماعات بشرية تسبق وجود الدولة الحديثة، وتتوفر على مؤسسات اجتماعية واقتصادية وهوية ثقافية إثنية مستقلة، مشيراً إلى أن هذا لا ينطبق بتاتاً على القبائل الصحراوية المغربية، التي كانت دوماً جزءاً من الأمة المغربية، ولم تُشكّل يوماً كياناً سياسياً أو ثقافياً مستقلاً عن الدولة.

 

وتابع رئيس المرصد الوطني للدراسات الإستراتيجية أن استعمال هذا المفهوم قد يُفهم على أنه إقرار ضمني بوجود “شعب صحراوي أصيل”، وهو ما يتماشى – عن غير قصد – مع السردية الانفصالية التي تروّج لها أطراف معادية للوحدة الترابية، مضيفاً أن “ذلك يُضفي نوعاً من الشرعية الحقوقية الزائفة على أطروحة الانفصال، ويمس بمصداقية المقترح المغربي للحكم الذاتي الذي أقرته الأمم المتحدة كأرضية جادة وذات مصداقية”.

 

وفي السياق نفسه، أوضح الطيار أن “الحديث عن ‘الساكنة الأصلية’ يُقوّض الأساس التاريخي الذي ترتكز عليه السيادة المغربية، والمتمثل في شرعية البيعة التي جمعت القبائل الصحراوية بسلاطين المغرب منذ قرون، وهو ارتباط موثق سياسياً ودينياً، ولا يمكن نفيه أو القفز عليه”.

 

وأشار إلى أن المغرب لم يُنشأ على أنقاض كيان استعماري في الصحراء، بل استعاد أراضيه من الاحتلال الإسباني، بعد أن ظلت جزءاً لا يتجزأ من ترابه الوطني، معتبراً أن “كل حديث عن كيان سياسي سابق يُعد تضليلاً تاريخياً وخطاباً مفخخاً بالمفاهيم المغلوطة”.

 

ودعا الطيار، في هذا الإطار، إلى إعادة النظر في التراكيب والمفاهيم المستعملة، مشدداً على ضرورة استعمال تعبيرات دقيقة ومنسجمة مع المرجعية الوطنية والدولية، مثل: الساكنة المحلية، أبناء الأقاليم الجنوبية، القبائل الصحراوية المغربية، أو مكونات المجتمع الحساني، وتفادي مصطلحات من قبيل “الساكنة الأصلية” أو “الهوية الصحراوية المستقلة”، لما تحمله من دلالات ملتبسة ومخاطر سياسية حقيقية.

 

وختم الدكتور محمد الطيار تصريحه بالتأكيد على أن “قضية الصحراء ليست فقط معركة دبلوماسية أو عسكرية، بل هي أيضاً معركة لغوية ومفاهيمية”، مضيفاً أن “اللغة تُحدد الحقوق وتُعيد تشكيل الوقائع، ومن هنا تنبع أهمية اليقظة المفاهيمية، حتى لا يتحول خطابنا الوطني – عن غير قصد – إلى أداة في يد خصوم الوحدة الترابية للمملكة”.

 

المقالات المرتبطة

أضف رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *