منذ الاستقلال، وكرد فعل على الفترة الاستعمارية، شهد المغرب عملية تعريب عامة، شملت وبشكل رئيسي، التعليم على جميع المستويات. وهي عملية جلبت، في رأي العديد من الخبراء، نتائج سلبية لا تزال تدفع في شكل نظام تعليمي متخلف، وغير قادر على مواجهة التحديات الجديدة.
وظل التعريب موضوع نقاش سياسي قوي بالمغرب، شمل جميع القطاعات المغربية.
أما الموقف المتمثل في جعل العملية تؤدي إلى نتائجها النهائية، يحاربه أولئك الذين يعتقدون أن ثنائية اللغة العربية-الفرنسية، ضرورية لبلد يمثل جسرا بين أوروبا وإفريقيا.
ويرون، أن تفضيل استخدام اللغة العربية الديالكاتية فقط هو سجن للبلد ، ثقافيًا واقتصاديًا.
وأقر البرلمان المغربي يوم الاثنين الماضي، بأغلبية ساحقة، قانون التعليم الجديد الذي يسمح بتدريس المواد العلمية والتقنية بلغات أجنبية، وبالأخص باللغة الفرنسية. وبعد سنوات من تعريب التعليم الأساسي والجامعي بالمغرب، وافق 241 نائبا على القانون الإطار، مقابل رفض 21 عضوا، وامتناع أربعة آخرين عن التصويت.
كما كشف هذا القرار، على انقسام عميق داخل حزب العدالة والتنمية، الإسلامي، الذي يمثل الأغلبية ويقود الموالاة في الحكومة.
وشهد القانون الجديد حالة "بلوكاج"، منذ شهور من قبل مناصري استخدام اللغة العربية في التعليم، الذين يعارضون هذا الإصلاح بشكل جذري. وهدد حزب العدالة والتنمية برفض المشروع، الذي دعمته بقية الأحزاب التي تشكل الحكومة الائتلافية الحالية.
المحصلة، لم يفي الإسلاميون بتهديدهم، وانتهى بهم المطاف بالتصويت مؤيدين، "لأننا قررنا اعتماد موقف بناء لصالح المصلحة العليا للأمة وللأجيال المغربية المستقبلية"، حسب تعبيرهم.
بنكيران.. مسمار جحا
ويدعم برلمانيون من حزب العدالة والتنمية الذين صوتوا لصالح القانون، كلهم باستثناء اثنين من سبعين نائباً.
هؤلاء الرافضون، فعلوا ذلك بإيعاز من التصريحات التي خرج بها رئيس الحكومة الإسلامي السابق عبد الإله بنكيران في نهاية الأسبوع، وهي تصريحات وصفت بأنها "مسمار جحا"، إلا أنه لم يعد لبنكيران مسمار بالحكومة والحزب.
وقال في بث مباشر على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، "معظم المغاربة لا يفهمون الفرنسية، والمعلمون ليس لديهم الاستعداد الكافي لتعليم طلابهم بهذه اللغة".
بالنسبة لبنكيران، يعتبر القانون "كارثة"، ويتهم الأمين العام الحالي للحزب، ورئيس الحكومة سعد الدين العثماني بارتكاب "أخطر خطأ"، منذ وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة في عام 2011، "إنه إجراء ساري المفعول"، ضد مصالح الشعب المغربي "، حسب بنكيران.
وعلى العكس من ذلك، يرى وزير التعليم سعيد أمزازي أن القانون الجديد "سيضمن مستقبل التعليم في بلدنا، وظروف انتقال المدرسة المغربية إلى مستويات أعلى، إنه حدث تاريخي".
الخطاب الأيديولوجي
يتفق اللسانيون، على ضرورة تسليط الضوء على ثراء اللغة العربية كلغة، لكنهم يشيرون إلى أن استخدامها في الوقت الحالي كلغة علمية؛ مقيد بعوامل عملية واقتصادية وسياسية.
ويرى عماد الفيزازي، الباحث في اللسانيات الاجتماعية، أن "الصراع الدائر حول اللغات، اليوم، ليس صراع لغات أو "حرب لغات" بتعبير اللغوي الفرنسي جان كالفيي، وإنما هو في الأصل صراع بين إثنيات من مجتمعات مختلفة، يطغى عليه، في السطح، الخطاب الأيديولوجي الذي يرمي اللغة بأوصاف قد لا يصح أن توصف بها، بقدر ما يصح أن يوصف بها أهلها، وهو في جوهره وعمقه صراع اقتصادي سياسي".
ويضيف الفيزازي، أن "لغة الأقوى هي اللغة المهيمنة، وإجمالا إن الانتقال إلى التدريس بلغة الأقوى لن يجعل منا دولة قوية بالضرورة، بل إن ما يمكن أن يحقق ذلك هو أن نعمل بصدق على الإسهام في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، والقطع مع مظاهر التخلف والفساد، والتبعية، بالانخراط في مجتمع العلم والمعرفة، وبعدها فلنسم الأشياء بأي لغة شئنا".
وفي تدوينة نشرها على صفحته الشخصية فيسبوك، قال محمد عبد الوهاب رفيقي، الملقب بأبي حفص، فاعل فكري وديني بالمغرب، "لا أستطيع الجزم في هذا الموضوع لأني لست خبيرا ولا مختصا في اللغويات، لكني آسف حين أجد أغلب المواقف اليوم تصدر بخلفية إيديولوجية وعصبية قبلية".
واعتبر رفيقي، الباحث في الدراسات الإسلامية، أن "القول بأن اللغة العربية هي لغة الإسلام والمسلمين، ولغة القرآن وحديث أهل الجنة، كما القول بأنها لغة المستعمر العربي، كل ذلك برأيي مزايدات إيديولوجية لا تخدم القضية".
وخلص أبو حفص إلى أن التعليم هو "معطى اقتصادي بالأساس، فالاقتصاد هو ما يحكم العالم، وهو من يحدد السياقات محليا ودوليا، فتبقى كلمة الفصل للخبراء بالموضوع، وليس للمؤدلجين من كل الأطراف، ولا لمحترفي ازدواجية الخطاب".
تجارب سابقة
في هذا السياق، تجدر الإشارة إلى أنه يتقاسم المغرب هذا النقاش اللغوي، مع الدول العربية الأخرى، التي تعاني من نظام مدرسي باللغة العربية الفصحى، وجامعة تمر دون انتقال سلس إلى الفرنسية أو الإنجليزية.
وحسمت موريتانيا وتونس النقاش مع "فرنسة" تامة للمواد العلمية في جميع المراحل التعليمية، وباستثناء سوريا، التي لديها نظام تعليمي معرب تماما، حتى في شعب مثل الطب والهندسة، فإن بقية الدول العربية تتبع النموذج الفرنسي أو الإنجليزي في تعليمهم العالي، مما يثير تساؤلات حول قدرة اللغة العربية على أن تكون لغة العلوم والتكنولوجيا في القرن الـ21.