المجلس الاقتصادي والاجتماعي يعتبر زواج القاصرات ضمن جرائم الاتجار بالبشر

وسط جدل حاد حول إصلاح مدونة الأسرة في المغرب، دعا المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي "CESE"، باعتباره مؤسسة دستورية؛ إلى إحقام زواج القاصرات ضمن جرائم الاتجار بالبشر.

وفي سياق متصل، أوصى المجلس في 5 فبراير، بتسريع القضاء على زواج القاصرات بجميع أشكاله، من خلال استراتيجية شاملة، لحماية المصلحة الفضلى للأطفال، وتعزيز التنمية الاجتماعية والاقتصادية لهن.

 

وقد جاء ذلك في تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي، المعنون بـ"زواج الطفلات وتأثيراته الضارة على وضعهن الاقتصادي والاجتماعي"، بإحالة من ‬رئيس‭ ‬مجلس‭ ‬النواب؛ حول‬‮‬‭" ‬إشكال‭ ‬زواج‭ ‬القاصر‭ ‬وأثره‭ ‬على‭ ‬الوضع‭ ‬الاقتصادي‭ ‬والاجتماعي‭ ‬للفتيات".

ويأتي هذا الرأى للمجلس حول الموضوع، ‬في‭ ‬سياق‭ ‬النقاش‭ ‬العمومي‭ ‬والمشاورات‭ ‬التشاركية‭ ‬المؤسساتية‭ ‬والموسعة،‭ ‬التي‭ ‬تشرف‭ ‬عليها‭ ‬الهيئة‭ ‬المكلفة‭ ‬بمراجعة‭ ‬مدونة‭ ‬الأسرة،‭ ‬تبعا‭ ‬للتعليمات‭ ‬الملكية‭ ‬السامية‭.‬

وخلال عملية التشخيص، أظهر تقرير المجلس، استمرار تزويج القاصرات بعد أن كشفت الإحصائيات عن أرقام مقلقة، نحو خط تصاعدي؛ رغم الجهول المبذول، بالنظر إلى الإستثناءات الواردة ما دون سن 18، وانعدام سلطان الإرادة في عقود زواج القاصرات.

كما أضاف المجلس، أن الزواج المبكر للفتيات، له انعكاسات اجتماعية واقتصادية ضارة بهن كثقل على المجتمع، كما هو الحال بالنسبة للتنمية وارتفاع الفقر المتوارث؛ عكس ما إذا سمح لهن بالدراسة والتكوين والتحصيل، كرأسمال بشري لخلق الثروة.

وفي هذا الإطار، سجل التقرير أن أسباب الزواج المبكر يعود بالأساس إلى الأعراف والتقاليد بـ%44.08، ثم %18.08 تأتي عن علاقة حب، بينما %14.06 لقناعات دينية، و %0.11 لتجنب الفضيحة، و%10.81 هو هروب من الظروف الاجتماعية، في حين أن %11.73 بسبب الفقر.

وأوضح تقرير المجلس، أن نسبة كبيرة من الفتيات القاصرات يقطن في بيت أهل الزوج، ما يؤثر ضد استقلاليتهن؛ وأنهن غير راضيات عن وضعهن، بالنظر للصعوبات المرتبطة بزواجها المبكر، بينما نسبة منهن يتعرضن للطرد من المنزل.

ووفقا للمجلس، فإن الزواج المبكر، يؤدي إلى تضييق الآفاق المستقبلية للقاصرات، مـن خلال إقصائهن مـن منظومة التربيـة والتكوين، وتضييع فرص مشاركتهن في الحياة الاقتصادية؛ بالنظر إلى ارتفاع نسبة الخصوبة بالنسبة لهاته الفئة.

كما أن الزواج المبكر حسب المجلس، يعرض الصحة الجسدية والنفسية للفتيات وأطفالهن لمخاطر كبيرة مرتبطة بالحمل فوق المستطاع، وتعرضهن بشكل أكبر لأشكال العنف الجسدي والنفسي والاقتصادي، وارتفاع نسبة الوفيات عند الولادة وفي الطور الحمل، وعند الرضع أيضا.

وفي هذا الإطار، دعا المجلس إلى ملاءمة‭ ‬الإطار‭ ‬القانوني‭ ‬مع‭ ‬الدستور‭ ‬والاتفاقيات‭ ‬الدولية،‮‬‭ ‬التي‭ ‬صادق‭ ‬عليها‭ ‬المغرب،‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬نسخ‭ ‬المواد‭ ‬20‭ ‬و21‭ ‬و22‭ ‬ من‭ ‬مدوّنة‭ ‬الأسرة.

وأضوح رأي المجلس‭ ‬أن تلك النصوص، ‬تفتح‭ ‬الباب‭ ‬أمام‭ ‬الاستثناء‭ ‬في‭ ‬تطبيق‭ ‬قاعدة‭ ‬سن‭ ‬أهلية‭ ‬الزواج‬18‭ ‬سنة‬؛ إذ شدد على‭ ‬تخصيص‭ ‬مقتضى‭ ‬في‭ ‬مدونة‭ ‬الأسرة‭ ‬متعلق بمبدأ المصلحة الفضلى، وتحديد كيفية تطبيقه.

كما أوصى بمحاربة‭ ‬المُمارسات‭ ‬الضّارة‭ ‬بالأطفال،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬التنفيذ‭ ‬المستدام‭ ‬والمندمج‭ ‬لمختلف‭ ‬السياسات،‭ ‬والإجراءات‭ ‬العمومية‭ ‬على‭ ‬الصعيد‭ ‬الوطني‭ ‬والترابي.

سيما‭ ‬عبر‭ ‬تسريع‭ ‬تنزيل‭ ‬السياسة‭ ‬المندمجة‭ ‬لحماية‭ ‬الطفولة عبر كل مراحل تنفيذه، ووضع‭ ‬سياسة‭ ‬أُسَرِيَّة‭ ‬تأخذ‭ ‬بيعن ‬الاعتبار‭ ‬التربية‭ ‬على‭ ‬تحمل‭ ‬المسؤولية‭ ‬المُناطَة‭ ‬بالوالدين،‭ ‬وتحسيس‭ ‬الأسر‭ ‬بالممارسات‭ ‬الضّارة‭ ‬بالأطفال‭.‬

واقترح في هذا الإطار وضع‭ ‬نظام‭ ‬معلوماتي،‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تتبّع‭ ‬وتقييم‭ ‬التقدم‭ ‬المحرز‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬القضاء‭ ‬على‭ ‬الممارسة‭ ‬المتعلّقة‭ ‬بتزويج‭ ‬الطفلات.

وأكدا المجلس على ضرورة أن يرتكز النظام، على‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬المؤشرات‭ ‬الملائمة، بشكل منسجم‭ ‬مع‭ ‬حقوق‭ ‬الطفل‭ ‬ومصلحته‭ ‬الفضلى‭ ‬وأهداف‭ ‬التنمية‭ ‬المستدامة.

بما في ذلك ‬المعطيات‭ ‬المتعلقة‭ ‬بالحالات‭ ‬المحتملة‭ ‬لزواج‭ ‬وطلاق‭ ‬الطفلات،‭ ‬وحالات‭ ‬زوجات‭ ‬القاصرات‭ ‬المهجورات،‭ ‬والعنف‭ ‬الزوجي‭ ‬والأسري‭ ‬ضد‭ ‬الزوجات‭ ‬القاصرات.

بالموازاة‭ ‬مع‭ ‬ذلك؛ أوصى المجلس‭ ‬ببلورة‭ ‬تقرير‭ ‬سنوي وعرضه على اللجان البرلمانية المعنية، من قبل القطاع الحكومي الوصي على الطفولة.

مع ضرورة أن يتضمن التقرير السنوي، معطيات حول ‬تطور‭ ‬وتيرة‭ ‬تزويج‭ ‬الطفلات،‭ ‬والتدابير‭ ‬المتخذة‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬السياسات‭ ‬العمومية، ‬ذات‭ ‬الصلة،‭ ‬للحد‭ ‬من‭ ‬أسباب‭ ‬اللجوء‭ ‬إلى‭ ‬هذه‭ ‬الممارسات.

ومن ضمن أهم التوضيات التي تقدم بها المجلس في هذا الإطار، ضمان حق الطفل في التسجيل بالحالة المدنية، دون أي تمييز بين الأطفال المولودين في إطار الزواج وخارج العلاقة الزوجية.

فضلا عن التضمين الصريح في مدونة الأسرة للبصمة الجينية "ADNّ"، كعنصر علمي من عناصر إثبات الأبوة، التي يتعين على القاضي الاستعانة بها لإثبات النّسَب للطفل، في حال عدم إقرار الأب، لأجل حصول الأطفال على النسب دون أي تمييز.

وقد دعا التقرير، إلى تشجيع النقاش حول الاغتصاب بما فيه الزوجي وغيره من الاعتداءات الجنسية، والاجهاض؛ وإدراج عقود زواج القاصرات ضمن جرائم الإتجار بالبشر.

بالإضافة إلى التربية الجنسية للوقاية من المخاطر ذات الصلة بالعلاقات الجنسية والحمل والزواج المبكر؛ ناهيك عن التربية الدينية التي ترمي إلى نقل القيم الدينية، المتعلقة بالعدالة والإنصاف والتسامح واحترام الآخر.

ثم شدد المجلس عن المنع الصريح في مدونة الأسرة، لجميع أشكال التمييز ضد الأطفال، انسجاماً مع الفصل 32 من الدستور؛ وضمان حق الصغار في التمدرس، سيما الفتيات على وجه الخصوص.


شاهد أيضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.