د.ميلود بلقاضي
شكل الخطاب الملكي الموجه إلى أعضاء البرلمان بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الأولى من الولاية الحادية عشرة خارطة طريق للبرنامج الحكومي الذي سيقدمه اليوم رئيس الحكومة الجديد عزيز اخنوش امام البرلمان بمجلسيه.
البرنامج الحكومي الذي سيقدمه اليوم بالبرلمان رئيس الحكومة، سيستمد فلسفته العامة من مضامين الخطاب الملكي الأخير الذي لخص خارطة طريق الحكومة الجديدة في محورين أساسيين: أولهما تأمين الأولويات الاستراتيجية لمواصلة مسيرة التنمية. وثانيهما مواجهة التحديات الخارجية في سياق إقليمي ودولي مضطرب.
تأمين الأولويات الاستراتيجية لمواصلة مسيرة التنمية:
من أولى أهم الأولويات الاستراتيجية التي على البرنامج الحكومي الالتزام بها هي تقوية السيادة في مختلف أبعادها، الصحية والطاقية والصناعية والغذائية وغيرها. هذا المفهوم الذي عاد للواجهة مع جائحة كورونا التي جعلت كثيرا من الدول مستباحة في سيادتها نتيجة انهيار أنظمتها الصحية والغذائية والطاقية .
وعكس العديد من الدول، مكنت التدابير الاستباقية والصارمة التي اتخذها المغرب تحت قيادة جلالة الملك، من الحفاظ على سيادته الصحية والغذائية من خلال تدبير حاجياته في تزويد الأسواق بالمواد الأساسية بكميات كافية ، وبطريقة عادية في الوقت الذي سجلت فيه العديد من الدول اختلالات كبيرة على سيادة أمنها الصحي وأمنها الغذائي.
ومن هذا الزاوية شدد جلالة الملك على ضرورة إحداث منظومة وطنية متكاملة من طرف الحكومة، منظومة تتعلق بالمخزون الاستراتيجي للمواد الأساسية، لاسيما الغذائية والصحية والطاقية، والعمل على التحيين المستمر للحاجيات الوطنية، بما يعزز الأمن الاستراتيجي للبلاد.
أما ثاني هذه الأولويات الاستراتيجية لمواصلة مسيرة التنمية، فيتجسد في معادلة كيفية الاستمرار في تدبير الأزمة الوبائية ، ومواصلة إنعاش الاقتصاد. لأن من أكبر التحديات التي ستواجه حكومة أخنوش هي كيفية بناء مغرب ما بعد كورونا وحماية صحة المواطنين، وتقديم الدعم للقطاعات والفئات المتضررة، وكل الحاجيات الضرورية، للتخفيف على المواطن من صعوبة هذه المرحلة.
وبناء هذا المغرب لا يتم إلا عبر انتعاش اقتصادي، وتحقيق نسبة نمو تفوق 5.5 في المائة سنة 2021. وهي نسبة جديرة بتحقيق غايات البرنامج الحكومي المرتقب، لكن شريطة تقوية "القطاع الفلاحي وعصرنته، وتشجيع الصادرات في عدد من القطاعات، كصناعة السيارات والنسيج، والصناعات الإلكترونية والكهربائية، والاستثمار العمومي، ودعم وتحفيز المقاولات، والاستثمارات الأجنبية المباشرة، وزيادة تحويلات المغاربة المقيمين بالخارج، وهذا ما أكده جلالة الملك في خطابه السامي بمناسبة افتتاح البرلمان.
أما ثالث هذه الأولويات الاستراتيجية لمواصلة مسيرة التنمية فتتمثل في التنزيل الفعلي والسليم للنموذج التنموي، وإطلاق مجموعة متكاملة، من المشاريع والإصلاحات من الجيل الجديد. لكن ،تنزيل النموذج التنموي يجب ان لا يتم بمفهومه التقليدي الجامد خصوصا بالنسبة “للميثاق الوطني من أجل التنمية”،بكونه آلية هامة لتنزيل هذا النموذج؛ وباعتباره التزاما وطنيا.
وفي هذا الاطار كان الخطاب الملكي واضحا في تحميل الحكومة الجديدة مسؤولية وضع الأولويات والمشاريع، خلال ولايتها، وتعبئة الوسائل الضرورية لتمويلها، في إطار تنزيل هذا النموذج، ومطالبتها باستكمال المشاريع الكبرى، التي تم إطلاقها، وفي مقدمتها تعميم الحماية الاجتماعية، وتأهيل المنظومة الصحية، وتكامل القطاعين، وتنفيذ اصلاح وتاهيل المؤسسات والمقاولات العمومية، والإصلاح الضريبي.
مواجهة التحديات والمخاطر والتهديدات:
من المهام التي على الحكومة الجديدة الاهتمام بها هي مواجهة التحديات والمخاطر والتهديدات التي يعرفها المغرب ، وبكيفية جدلية ربط الخطاب الملكي بين تقوية الجبهة الداخلية اجتماعيا واقتصاديا . والحديث عن مواجهة التحديات الخارجية له ارتباط مباشر مع التهديدات الخارجية التي تستهدف المغرب مؤخرا.
وتؤكد الكثير من النظريات السياسية أن الانتخابات ليست غاية في حد ذاتها، وإنما هي وسيلة لإقامة مؤسسات ذات مصداقية ، تخدم مصالح المواطن، وتدافع عن قضايا الوطن. فقوة الدول من قوة مؤسساتها والعكس صحيح. وتوفر المغرب على مؤسسات حكومية وتشريعية قوية هو افضل سلاح للدفاع عن البلاد ومؤسساتها في وقت الشدة والأزمات والتهديدات.
وعليه ،فالبرنامج الحكومي الذي سيقدمه أخنوش اليوم أمام البرلمان بمجلسيه يجب أن يأخذ بعين الاعتبار تأمين الأولويات الاستراتيجية لمواصلة مسيرة التنمية، ووضع استراتيجية لمواجهة التحديات والمخاطر والتهديدات الخارجية، على اساس ان تقوية الجبهة الداخلية اجتماعيا واقتصاديا وديمقراطيا هو الصخرة التي تتكسر حولها كل خطط الأعداء التي تستهدف المغرب.
رئيس المرصد المغربي للدراسات الاستراتيجية والسياسية