في حوار مع "بلبريس" الوزير الدكالي يكشف خبايا قطاع الصحة ويؤكد على مشروعية مطالب الأطباء

يعتبر قطاع الصحة من القطاعات الاجتماعية التي عرفت مشاكل عويصة على مر الحكومات المتعاقبة، حيث يشتكي المواطن سوء الخدمات وضعف الجودة، وخرجت الأطر الطبية للشوارع أفواجا أفواجا للتنديد بسياسة الوزارة الوصية وقلة التجهيزات وضعف الرواتب.

يطول الحديث عن مشاكل القطاع الصحي ببلادنا، لذا استضاف برنامج "نقط على الحروف" على الموقع الإلكتروني "بلبريس" أنس الدكالي، وزير الصحة للاستفسار عن كل القضايا العالقة ووضع النقط على الحروف.

وهذا نص الحوار كاملا:

ما هو تشخيصكم للسياسة الصحية في المغرب؟

هناك تقدم في المجال الصحي في  السنوات الأخيرة، إلا أن القطاع لازال بحاجة إلى تقدم أكثر، ودعم عمومي، ومقاربة جديدة في تناول قضايا الصحة انطلاقا من الشراكة بين القطاع العام والخاص بإدماج مجموعة من آليات الإدماج, مخطط الصحة 2025، ارتكز على ثلاث دعامات أساسية، هناك دعامة مرتبطة بالعرض الصحي بشكل عمل، ودعامة مرتبطة بالبرامج الصحة، ودعامة مرتبطة بالحكامة، الدعامتان الأوليتان حقق فيهما المغرب تقدما ملموسا، حيث أنشأ 8 مراكز استشفائية جامعية ستكون جاهزة في خضم 3 سنوات، 5 منها تم الانتهاء منها.

لدينا 150 مستشفى، وأكثر من 22 ألف سرير في القطاع العمومي، و 10 آلاف في القطاع الخصوصي، كما حققنا مجموعة من البرامج المهمة، كبرنامج تمنيع التلقيح، فالمغرب لديه 12 لقاحا في حين أن دولا متقدمة لم تبلغ هذا الرقم. هناك تغطية لـ95 في المائة للقاحات، وبعضها بلغ 99 في المائة، هذا إضافة إلى لقاح الفيروس الذي يؤدي إلى سرطان عنق الرحم الذي لا توفره أيضا عدد من الدول المتقدمة.

لدي تخوف من التأخر الحاصل في الوزارة على مستوى الحكامة، ولحدود الآن دور الجهة لازال لم يأخد المكانة اللازمة لتدبير قطاع موارده كثيرة، لا الموارد المالية بل البشرية، فـ 50 ألف مستخدم وأطر يشتغلون في هدا القطاع. مشكل الجهوية مطروح بقوية، ومشكل الشركات ومؤسسات الضبط، فمن يراقب القطاع الخاص.

المواطن المغربي لازال يدفع أكثر من 50 في المائة على نفقاته الخاصة، في الوقت الذي طورنا فيه منظومة التمويل، فهذا يعني أننا بحاجة لمن يقوم بالضبط والأمور الاستراتيجية، وأدوات وآليات للتدبير.

كما أريد الإشارة إلى أن آليات أخرى مرتبطة اليوم بالدواء، فلازالت لدينا مديرية في الوقت الذي اتجهت فيه دول إفريقية إلى إنشاء وكالة وطنية للأدوية والسلامة الدوائية لتطوير الأساليب والمساطر وفتح التدبير المشترك.

وهنا أريد التطرق إلى نقطة مهمة جدا وهي أنه في المغرب، هناك تركيز على وزارة الصحة في كل الأمور، فعقود وزارة الصحة في الواجهة في حين أن الصحة تهم الجميع، وتتداخل فيها قطاعات كثيرة.

مشاكل عويصة يعرفها قطاع الصحة على جميع المستويات، فهل ستتجهون إلى التسيير أو التجهيز على مستوى الميزانية؟

فيما يتعلق بالميزانية، فقد ارتفعت سنة 2019 بـنسبة 10.45 في المائة، وهي أعلى نسبة في تاريخ القطاع الصحي، ومقارنة مع القطاعات الأخرى، وتظل إشكالية التدبير المعقلن للموارد، نحن في إطار تشخيص الوضع الصحي،  وضعنا تقييم يفيد أنه يمكن مضاعفة الأداء بنفس الإمكانيات بمرتين أو ثلاث مرات بالنسبة للموارد البشرية، 800 كليون درهم سنويا للتجهيزات، و16 مليار درهم ملزمون بها في أفق ،2021  فيها 3 مستشفيات جامعية  ومستشفيات إقليمية جهوية جديدة وتأهيل نشتشفيات ومصالح، 150 مليون درهم بالنسبة لصندوق التمنية اللقروية لمراكز الصحية، كما أحدثنا برنامج استعجالي  لتأهيل المستعجلات من موارد بشرية وتجهيزات، وهذا كله من أجل توفير ظروف العمل.

الموارد  البشرية إذا اشتكت من الدخل فسأتفق معها، وذلك لأننا بلد لديه  نظامان للصحة، قطاع عام وخاص، وهناك جاذبية للقطاع الخاص، والإصلاح عليه أن يثمن مهنة الطبيب، وأن نذهب إلى نوع من التنافسية، ولتحقيق هذا لابد من ربط تحسين الأوضاع وبالتعويضات الإضافية بالأداء.

هناك امكاتنيات هائلة تهضر والمشكل في الحكامة، والمساطر، واستقلالية المؤسسات الاستشفائية والاعتراف بالخصوصية مهن الصحية.

وفي انتظار تحقيق هذا نقوم بتأهيل المستشفيات، وخوض حوار اجتماعي مع كل النقابات، وكذت نقابة فئة الأطباء وهي نقابة قطاعية، وذلك من أجل حل كل مشاكل القطاع.

ولابد من الإشارة إلى جهود الحكومة، حيث خلقت 4 ألاف منصب شغل، وإحداث برنامج على مستوى المراكز الاستشفائية الجهوية لامتصاص الضغط على المراكز الجامعية، صحة الأم والطفل حقننا نتائج مهمة في ظرف 7 سنوات وقلصنا عدد الوفيات 38 في المائة. كما تم تخفيض لوائح الانتظار على مستوى العمليات الجراحية.

هل هناك خطة لمَأسَسَة المستشفيات العمومية؟

مع الإصلاح يمكن أن يتمتع المستشفى العمومي بنفس إمكانيات المستشفى الخاصة، وإذا منح استقلاليته، وإمكانية أنه بالإضافة إلى الراتب الثابت للطبيب والممرض والتقني إضافة راتب مرتبط  بالأداء، فالمستشفى العمومي بما فيه المستفشى الجامعي لا يستطيع جلب أكثر من  5 في المائة من مداخيل من "الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي"، و"صندوق الضمان الاجتماعي" أمام المصحات الخاصة، واليوم هي مسألة تدبير، و تلقيت اللوم عند تعيني بالوزارة، وذلك بعد التغييرات الكبيرة التي أحدثت، والتغييرات التي قمت بها كانت بناء على عمل لجن خلص إلى ضرورة الحكامة والتدبير لدى الفاعل، وأنا ليست لدي عقدة أن يكون مدير مستشفى دائما طبيبا، فكل ما هو مطلوب أن يكون لديه مشروع استشفائي خاص بالمؤسسة، ويفعل آليات الحكامة التي يمنحه إياها القانون، ولعب دور المحرك.

ما مدى صحة الأخبار الرائجة حول تعيينك لعدد كبير من الموظفين المنتمين فقط لحزبك "التقدم والاشتراكية" ؟

التدافع النقابي والسياسي داخل بعض القطاعات الاجتماعية القوية هو الذي يولد مثل ردة الفعل هذه، وبالنسبة لي الكفاءة هي العامل الأساسي، وليس الانتماء الحزبي، وهناك عدد كبير من الأحزاب التي لديها مسؤوليات داخل وزارة الصحة سواء كانت داخل الحكومة أو من خارجها، وكذلك مسؤولين نقابيين.

هناك المفتشية العامة التابعة لوزارة الصحة ودورها هو محاربة الفساد، فلماذا لا تحول تقارير إلى إجراءات قانونية لمعاقبة المسؤولين؟

فيما يتعلق بالفساد، وزارة الصحة منخرطة بشكل كامل في الاستراتيجية الوطنية لنمحاربة الفساد، والمفتشية العامة هي عضو في هذه اللجنة، وأجرت مجموعة من التكوينات، بما فيها تكوينات مع الجلس الأعلى للحسابات، والمفتشية تقوم بدورها الكامل لمحاربة الفساد من خلال متابعة ملفات نتوصل بها، كما تم تعزيز عناصرها منذ االتحاقي بالوزارة من خلال شباب خريجي مؤسسات التدبير.

ما هو تعليقكم على الاحتجاجات الأخيرة ضد وزارة الصحة من مختلف الأطر الطبية وكذا طلبة الطب؟

خلال الحوار الاجتماعي، استقبلتهم ثلاث مرات، واتفقنا جميعا على تكوين لجان للاشتغال مع النقابات، ومع الفئات والأمور تتقدم، قيل مؤخرا أنني أريد ربح الوقت وهذا الكلام لا أساس له من الصحة، ربما أننا في فترة إصلاح، بالنسبة لي كل ما ليس له وقع مالي فهو مرحب به وعالجناه بالفعل، وكل ما له وقع مالي فهو مرتبط بالحوار الوطني والذي تم توقيع اتفاق بين النقابات والحكومة وهناك تحسيين الوضع الأجري وسيستفيد منه جميع الفئات الموجودة في قطاع الصحة.

الحوار موجود مع الوزير والمديرية وأنشأنا دورية للحوار الجهوي والإقليمي لأنه لا توجد مشاكل المداخيل بل هناك مشاكل أخرى، كنقص أو تعطل الأجهزة، أو سوء التفاهم بين أصناف الأطر.

أوجه نداء للأطر الطبية أن ينخرطوا في مسلسل الإصلاح الذي تعرفه المنظومة، وغير المرتبط بوزير الصحة، وأي حكومة يجب أن تنخرط  في هذا الإصلاح ويرجحوا كفة الحوار على أشكال أخرى، خاصة أن هناك أشكال احتجاجية غير مقبولة عند بعض الفئات، والتي تتناقلها الصحافة الأجنبية، حيث تعطي صورة سلبية على القطاع، لأن هدفي كوزير هو تحسن صورة مهنيي الصحة والأطباء عند المواطن، مع العلم أنني غير مرتاح لهذه الصورة، وهدفي هو تحسينها ونطلب مساعدتنا من خلال طرقهم الاحتجاجية.

وبالنسبة للاستقالات ومغادرة بعض الأطباء أرض الوطن، أقول لماذا في ستينيات القرن الماضي كان الطبيب يشتغل في ظروف قاسية، ومراكز صحية لا يتواجد فيها الكهرباء، اليوم نلاحظ أن الطبيب العام يرفض الاشتغال في بعض المناطق البعيدة.

كيف تعاملتهم مع إشكالية العدالة المجالية الذي لطالما عرفته وزارة الصحة مع مختلف الوزارء الذين توافدوا عليها؟

الفوارق المجالية يعترف بها الجميع في بلدنا، لكن السياسة العمومية تتجه نحو تقليصها، وزارة الصحة في السنوات الأخيرة الميزانية التي تصرف في المجالات الأكثر خصاص أكبر من باقي المجالات، والموارد البشرية توجه الى العالم القروي بالأولوية.

ماهو موقفكم من مشكل "القابلات"؟

هناك 2900 منصب شغل فتحناه للممرضين والقابلات، 419 منصب للقابلات، وذلك حسب الحاجيات، وذلك لتقليص العاهات المرتبطة بالولادة وظروف الولادة وكذا تقليص عدد الوفيات في صفوف المواليد والأمهات، واليوم ليست لدينا أي سياسة لوقف دعم هذه المهنة، وما هو مطروح منذ تعييني على رأس هذه الوزارة، هو أن العرض أكثر من العرض أكبر من الطلب، لذا تم توقيف مؤقت لشعبة القابلات لامتصاص هذه الأعداد الكبيرة المتخرجة من المؤسسات، وطلب 2000 قابلة أن يتم تشغيلهم ونحن احتياجتنا وامكانياتنا يجب توزيعها على باقي الفئة أقول أنه لايمكن.

ومشكلة العطالية لاتهم فقط وزارة الصحة وإنما مسألة عامة، والقابلات لديهن الفرص للعمل بالتعاقد أو في المجال الخاص، فنصحيتي من لم ينجح في المباريات عليه أن يشتغل في القطاع الخاص ولو أن الراتب غير مناسب.

ما هي استراتيجيتكم لمواجهة جشع لوبيات الأدوية؟

التوجه العام للسياسة الدوائية في بلدنا منذ الحكومة السابقة إلى الحكومة الحالية لم يتغير، وهو توفير والولوج الأدوية وسلامة الأدوية، ومرسوم تحديد الأثمان لازال العمل به جاريا، كلأسبوع هناك عشرات الأدوية التي ينقص ثمنها.

لدي رغبة في تطوير الصناعة المغربية، وخصوصا الباهضة الثمن كأدوية السرطان وداء السكري وبعض الأدوية التي تستعمل بشكل كبير في المستشفيات، وكذا تطوير البحث السريري بالنسبة للأدوية الجنيسة، ولدي رغبة كذلك في الرفع من الأدوية الجنيسة في سلة الأدوية. اليوم هناك عمل على مستوى الوكالة الوطنية للتأمين الصحي لتطوير هذه النقط مع مؤسسات التغطية الصحية، عندما يكون الحوار والعلاقة سليمة بين كل المتدخلين ويغلب الصالح العام على الصالح الخاص فالكل ينخرط.

المواطنون والأطر الطبية غير راضين عن القطاع الصحي، ما هي رسالتكم للجميع؟

بالنسبة للمواطن جرت العادة بالقول إن القطاع لا يلبي الحاجيات، إلا أنه عند زيارتي للمراكز والمستشفيات ألتقي عدد كبير من المواطنين الذين يعبرون عن رضاهم عن القطاع، فعدد كبير منهم يحصلون على على أدويتهم بالمجان ويجرون عمليات جراحية من زرع الكلي وعمليات القلب والكبد لمرضى الكبد من المستفدين من الرميد وعمليات القصور الكلوي بالمجان، والكمال لله .

وبخصوص الأطر الطبية، أنا مقتنع أننا سنتوصل إلى حل يرضي الجميع، بشراكة مع قطاعات أخرى، ولدينا شرطان، أولا هو تحسيين جودة الخدمات، والنجاعة على المستوى الطبي والصحي والعلاجي، ثانية يجب متابعة ما سيفضي إليه الإصلاح الذي نحن بصدد بلورته، والذي يأخذ بعين الاعتبار الموارد البشرية.