بعد التطبيق..مطالب بملاءمة مدونة الأسرة مع القوانين الدولية

أكدت فوزية العسولي، الرئيسة الشرفية لفدرالية رابطة حقوق النساء، على أن مدونة الأسرة شكلت عند صدورها ثورة هادئة استعادت المرأة المغربية بفضل بعض مقتضياتها كرامتها، ورفعت عنها الحيف الذي كان يطالها، لكن بعد مرور وقت على تطبيقها تبين أنها تحمل في طياتها بعض أسباب فشلها لبلوغ الأهداف المتوخاة من صدورها.

وأبرزت في مداخلة لها خلال المائدة المستديرة التي تم تنظيمها بالرباط حول موضوع:"مدونة الأسرة المساواة بين النساء والرجال بين التضارب والملاءمة مع المرجعية الدولية لحقوق الإنسان"، (أبرزت) أن فشل وصول الأهداف المتوخاة من المدونة، مرده سوء تطبيقها من جهة، بالرغم من ما تضمنته الديباجة من تأكيد على روح المساواة، ورفع الحيف عن النساء، والأطفال مع الحفاظ على كرامة الرجل، ومن جهة أخرى بإلغاء قاعدة الطاعة مقابل النفقة، وإقامة المساواة في عدد من البنود، مستدركة أن مدونة الأسرة اجترت معها جزءا من فلسفة القوامة المبنية على التراتبية التفضيلية الرجولية، مما جعلها تحتوي على مقتضيات متناقضة مع مبدأ المساواة.

وشددت فوزية العسولي التأكيد على أهمية المراجعة الجذرية والشاملة لنصوص مدونة الأسرة، لعدة اعتبارات أهمها أن مقتضياتها من طبيعة مدنية متغيرة قابلة للتأويل، والتغيير حسب حاجيات ومصلحة المجتمع، والحال هو أن اجترار بعض المقتضيات التمييزية اتجاه النساء أو الاطفال آثارها مدمرة على ملايين النساء، والأطفال والتنمية، وترهن مستقبل المغرب، وتعرقل الدور الجديد الذي يمكن أن يلعبه في هذا المنحى التاريخي الدولي.

من جهتها، قالت لطيفة بوشوى، رئيسة فيدرالية رابطة حقوق النساء: إن "هناك دينامية في المجتمع حول مناقشة مدونة الأسرة وملاءمتها مع القوانين الدولية؛ إذ ظهرت عدة ثغرات من خلال تطبيقها خلال الخمس عشرة سنة الماضية".

وأضافت الفاعلة الحقوقية أن المجتمع يجب أن يأخذ بعين الاعتبار التحولات المجتمعية الجديدة التي طرأت في سياق عالمي ووطني جديد، "لم تعد فيه الأسرة الممتدة، ولم تعد المرأة يعولها أبوها أو أخوها أو خالها أو أحد أفراد العائلة، بل باتت هي تعيل نسبة كبيرة من الأسر"، داعية إلى أن يكون وضع المرأة الاجتماعي والاقتصادي في صلب تغييرات مدونة الأسرة.

وقدمت الدكتورة فريدة بناني أستاذة التعليم العالي بمراكش مداخلة تناولت من خلالها إشكالية "ملاءمة قانون الأسرة مع الدستور والاتفاقيات الدولية لحقوق الانسان، بأية مقاربة ومرجعية" انطلقت من خلالها من تعريف الملاءمة كشق من مشمولات السياسة الحقوقية، وهو الشق القانوني المرتبط بتكييف التشريع الوطني مع الترسانة القانونية العالمية المعنية بثقافة حقوق الانسان، فضلا عن تعديل أو الغاء القوانين والأعراف والممارسات التي لا تتماشى مع المعايير الدولية المتعارف عليها في مجال حقوق الانسان، وأضافت أن المغرب انضم للعديد من الاتفاقيات الدولية ومن بينها اتفاقية سيداو والبروتوكول الاختياري الملحق بها، كما قام بسحب معظم تحفظاته عليها، وأصبحت هذه الاتفاقيات جزءا من التشريع الداخلي بعد نشرها في الجريدة الرسمية، ومن ثم أصبحت الدولة مسؤولة من الناحية القانونية على الوفاء بشكل تام بمقتضياتها عن طريق الموافقة بين مضمونها وباقي التشريعات الوطنية.

وأضافت الدكتورة بناني أن الإنصاف يعني العدل بين الرجل والمرأة في توزيع الحقوق والواجبات بينهما مع الموازنة بين الحق والواجب من جهة، والموازنة بين كل واحد منهما وجنس وطبيعة وختصاصات وخصائص تكوين كل واحد منهما، ولذلك فلتحقيق الانصاف لا بد من التمييز بين الرجل والمرأة.

وقدم الدكتور أنس سعدون، مداخلة تحمل عنوان "قراءة حقوقية في مدونة الأسرة" انطلق فيها من المستجدات التي أقرها دستور 2011، وفي مقدمتها أنه فتح لأول مرة المجال للمتقاضين لاختبار مدى دستورية التشريعات الوطنية، من خلال الدفع بعدم دستورية القوانين. وهو اختبار جديد سيجعل عددا من التشريعات الداخلية في محك القضاء الدستوري الذي سينظر في مدى ملاءمتها للمبادئ الدستورية.

وأكد عضو نادي قضاة المغرب، على أن مدونة الأسرة، كباقي التشريعات الوضعية خاضعة لسنة التغيير، كما أبرز أن عددا من المقتضيات التي كانت واردة في ظل مدونة الأحوال الشخصية بوصفها من بين الثوابت، تم إعادة النظر فيها في ظل مدونة الأسرة وأصبحت من بين المتغيرات، من بينها اخضاع جميع أنواع الطلاق والتطليق لرقابة القضاء بعدما كان الطلاق حقا للزوج، واعتبار الولاية حقا للمرأة الراشدة، وإخضاع جميع قضايا الحضانة لمبدأ المصلحة الفضلى للمحضون، وإلغاء واجب الطاعة، وإخضاع الأسرة للرعاية المشتركة للزوجين.

واعتبر المتحدث ذاته، أن من أهم التحولات التي طرأت على القضايا التي تنظمها المدونة تلك المتعلقة بمآل الحمل الناتج عن فترة الخطوبة، والذي سبق أن استقر اجتهاد المجلس الأعلى بعدم الاعتراف بشرعيته، متمسكا بقاعدة الولد للفراش، قبل أن تتدخل مدونة الأسرة لتعترف بشرعيته، فضلا عن موقف القضاء من عقود الزواج التي كانت تبرم أمام ضباط الحالة المدنية بالخارج، وأحكام التطليق التي كانت تصدر عن محاكم اجنبية والتي كانت تعتبر مخالفة للنظام العام لعدة اعتبارات من بينها صدورها عن قضاة غير مسلمين، علما بأن هذه المقتضيات خضعت بدورها للتطوير وتدخل المشرع في اطار مبدأ المرونة ووضع مسطرة لتذييل هذه الأحكام بالصيغة التنفيذية كما اعترف بصحة الزواج المدني والذي يتم أمام ضباط الحالة المدنية بالخارج. واعتبر أن هذه الأمثلة تؤكد امكانية فتح الباب من جديد لآلية الاجتهاد قصد مراجعة جذرية لمدونة الأسرة.

من جهة أخرى أشار الدكتور أنس سعدون لبعض الغموض الذي ما يزال يلف عددا من المقتضيات الواردة في المدونة من بينها طبيعة النسب، وما اذا كان حقا للطفل حسب ما نصت عليه المادة 54، أم أنه امتياز يخوله القانون للأب، مؤكدا أن المشرع يعلق استفادة الأطفال المولودين في زواج باطل من حقهم في النسب على مدى حسن نية الأب، وهو ما يعني أن الأب سيء النية في الزواج الباطل يحرم أطفاله من النسب، مما يحول النسب من حق الى امتياز يمنحه القانون للأب، في نفس السياق اعتبر أن عدم ترتيب المشرع لأي أثر للبنوة غير الشرعية بالنسبة للأب يفتح المجال على مصراعيه لاختلاط الأنساب.

ودعا إلى دعم تجربة القضاء المتخصص من خلال إحداث محاكم للأسرة عوض الأقسام الموجودة، ومراعاة مقاربة النوع الاجتماعي في تشكيلة جميع المحاكم بمختلف درجاتها وفي جميع الشعب، ونشر الأحكام والقرارات القضائية لما لها من دور تحسيسي وتربوي في إشاعة الأمن القضائي والتعريف بتطبيق مدونة الأسرة، وتبسيط نصوص مدونة الأسرة لتسهيل الولوج الى العدالة لكافة المتقاضين، مع ضرورة توفير الموارد البشرية والمادية الكفيلة بالتطبيق السليم لمدونة الأسرة


شاهد أيضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.