صادق مجلس النواب، مساء أمس الثلاثاء، بالأغلبية، على مشروع القانون رقم 26.25 المتعلق بإعادة تنظيم المجلس الوطني للصحافة، وذلك خلال جلسة عمومية خُصّصت للدراسة والتصويت على النص. وقد حظي المشروع بموافقة 87 نائبًا، مقابل معارضة 25 آخرين، دون تسجيل أي امتناع عن التصويت، في انتظار إحالته على مجلس المستشارين لاستكمال المسطرة التشريعية.
وكانت لجنة التعليم والثقافة والاتصال بمجلس النواب قد صادقت بدورها على المشروع في الساعات الأولى من صباح اليوم ذاته، حيث صوت لصالح النص 18 نائبًا، فيما عارضه 7 نواب، دون تسجيل أي امتناع، ما عكس منذ البداية انقساماً في المواقف داخل المؤسسة التشريعية.
وقد امتد هذا الانقسام إلى الجسم الإعلامي نفسه، إذ خلق المشروع جدلاً واسعاً بين مؤيد يرى فيه خطوة نحو إصلاح المشهد الإعلامي، ورافض يعتبره تراجعاً عن مكاسب التنظيم الذاتي وحرية التعبير. وبينما تدافع الحكومة عن مضامين المشروع باعتباره آلية لتعزيز الحكامة والشفافية، ترى جهات نقابية ومهنية، في مقدمتها النقابة الوطنية للصحافة المغربية، أنه جاء معيباً في مضمونه ومساره، ومُقصياً للتنظيمات المهنية من التمثيل داخل المجلس.
وقال عبد الكبير أخشيشن، رئيس النقابة الوطنية للصحافة المغربية، في تصريح خص به “بلبريس”، إن مشروع القانون رقم 26.25 المتعلق بإعادة تنظيم المجلس الوطني للصحافة، جاء في سياق دينامية تشريعية تعرفها البلاد، غير أنه أثار تحفظات عميقة لدى النقابة، خصوصًا في ما يتعلق بآلية انتخاب ممثلي الصحافيين المهنيين التي وصفها بـ”الآلية المثيرة للجدل”، معتبراً أنها تمثل تراجعاً واضحاً عن مكتسبات التنظيم الذاتي.
وأضاف أن النقابة كانت أول من نبه منذ المصادقة على القانون الأول إلى الثغرات التي شابته، وحذرت مراراً من خطر المساس بروح التنظيم الذاتي، مشيرًا إلى أن النقابة لم تكن ضد اللجنة المؤقتة لتدبير القطاع، بل انخرطت في مختلف النقاشات وشاركت بـ18 ندوة ومذكرة تشخيصية مفصلة، كانت تنتظر أن تُؤخذ بعين الاعتبار.
وتابع بأن مشروع القانون الحالي أهمل تلك المذكرة كما تجاهل مطالب النقابة، التي تضمّنت تعديلات جوهرية مستوحاة من المرجعيات الدستورية والدولية، مشدداً على أن الصيغة المعتمدة للاقتراع الاسمي الفردي تقصي التنظيمات النقابية وتفرغ مفهوم الديمقراطية المهنية من مضمونه.
واسترسل موضحاً أن المشروع بصيغته الحالية لا يكتفي بإضعاف التمثيلية النقابية، بل يفتح الباب أمام احتكار التمثيل من طرف فئات محددة، في تغييب واضح للصحافة الجهوية والسمعية البصرية والمستقلين، كما يضرب التعددية والمناصفة عرض الحائط.
وعن ما إذا كان هناك اختلاف بالنسبة للموقف النقابي، بين مكونات القيادة، أكد أخشيشن أن المكتب التنفيذي للنقابة كان منسجماً بشكل كامل مع المواقف المعلنة، وكل قراراته تُبنى على نقاش داخلي مفتوح ومسؤول.
كما علّق على طريقة تمرير المشروع بالقول إنها كانت “معيبة ومتعجلة”، وأشار إلى أن النقابة قامت بمراسلات رسمية وطلبت لقاءات مع رؤساء الفرق والأحزاب لتنبيههم، غير أن “عجلة السرعة التشريعية” غلّبت منطق الأغلبية على المضمون الحقوقي والدستوري.
وفي هذا الصدد، نوه أخشيشن بالموقف المسؤول الذي أبدته مكونات المعارضة البرلمانية خلال مناقشة مشروع القانون، معتبراً أن تدخلاتها كانت منسجمة مع مبادئ التنظيم الذاتي وحرية الصحافة. وأشاد بالترافع البرلماني الذي انتصر لروح الدستور ودافع عن استقلالية المهنة، موجها الشكر للنواب الذين عبروا عن تضامنهم مع موقف النقابة رغم اختلاف التوجهات.
كما حذر من أن تجاهل هذه التحذيرات قد يقود إلى تجريف ما راكمته بلادنا من مكتسبات في حرية الصحافة، داعياً إلى التفاعل الإيجابي مع التعديلات المقترحة وتجنب تحويل القانون إلى أداة لاحتكار التمثيل أو إقصاء الفاعلين التاريخيين في المشهد الإعلامي.