في خضم النقاش البرلماني الدائر حول التعديلات المقترحة على مشروع القانون رقم 26.25 المتعلق بإعادة تنظيم المجلس الوطني للصحافة، برزت ملاحظة مثيرة للانتباه، إذ أن بعض الفرق البرلمانية اقترحت منح عضوية داخل تركيبة المجلس لهيئات دستورية لم ترَ النور بعد، وهو ما يطرح التساؤل حول مآل هذه المقاعد إن تم التصويت على التعديلات في صيغتها الحالية، خاصة وأن غياب هذه الهيئات عن أرض الواقع يجعل من تمثيليتها مسألة نظرية فقط.
ففي الوقت الذي حدد النص الأصلي للمادة الخامسة من مشروع القانون عدد أعضاء المجلس في تسعة عشر عضوا موزعين على ثلاث فئات، اقترحت تعديلات من فريق التقدم والاشتراكية والفريق الحركي والمجموعة النيابية للعدالة والتنمية، إضافة تمثيلية مؤسساتية جديدة ضمن فئة “المؤسسات والهيئات”، وإدراج ممثل عن “الهيأة المكلفة بالمناصفة ومحاربة كل أشكال التمييز”، وممثل عن “المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية”.
غير أن هاتين المؤسستين، على الرغم من تنصيص الدستور عليهما بوضوح، لا وجود فعلي لهما إلى حدود اليوم، فالمجلس الوطني للغات والثقافة المغربية الذي نص عليه الفصل الخامس من الدستور، ورُسمت معالمه بموجب القانون التنظيمي رقم 04.16 الصادر في الجريدة الرسمية بتاريخ 30 مارس 2020، ما يزال حبيس الرفوف ولم يتم الإعلان عن تشكيله، رغم مرور أكثر من أربعة عشر عامًا على تبنيه كجزء من الإصلاح الدستوري الذي جاء بعد حراك 2011.
أما “الهيأة المكلفة بالمناصفة ومحاربة كل أشكال التمييز”، المنصوص عليها في الفصلين 19 و164 من الدستور، فقد طال انتظارها بدورها، رغم أن القانون المؤطر لها صُدر منذ سنوات، ورغم الوعود الحكومية المتكررة بإخراجها إلى حيز التنفيذ. بل إن وزيرة الأسرة والتضامن السابقة عواطف حيار كانت قد أعلنت في أكتوبر 2022 عن شروع رئاسة الحكومة في طلب ترشيحات الأعضاء، لكن لا شيء تحقق منذ ذلك الحين، مما أبقى الهيئة في حالة “الوجود النظري” فقط.
ويتساءل مهنيون عن هذا الوضع إذ تضع التعديلات البرلمانية في موضع تساؤل حقيقي، إذ كيف يمكن منح تمثيلية داخل مؤسسة تنظيم ذاتي مفعّلة، كمجلس الصحافة، لهيئات دستورية لا تزال غير مفعّلة؟ وفي حال المصادقة على هذه التعديلات، فإن المقاعد المخصصة لهذه الهيئات ستكون عمليا فارغة، وهو ما طُرح بالفعل في النسخة السابقة من المجلس مع مجلس اللغات الذي كانت له العضوية في مجلس الصحافة ومقعده فارغ، ما يعني تقويضًا جزئيًا لتوازن تركيبة المجلس، وانحرافا عن مبدأ التمثيلية الفعلية الذي يُفترض أن يوجه هذا النوع من المؤسسات.
ويخشى متابعون للشأن الدستوري أن يؤدي مثل هذا الإقحام الشكلي لمؤسسات غير مفعّلة إلى “تطبيع مؤسساتي” مع حالة التأخر في تفعيل مقتضيات الدستور، بدل أن تشكل القوانين التنظيمية لحظة تصحيح وبناء مؤسساتي متكامل. كما يُنظر إلى هذه الخطوة على أنها التفاف تشريعي يكرّس الفراغ بدل أن يدفع الحكومة إلى تفعيل التزاماتها الدستورية، خصوصا في ما يتعلق بقضايا ذات حساسية كبرى مثل المناصفة وحماية التنوع اللغوي والثقافي، وإحراجها، لاسيما أن “الكتاب” و”السنبلة”، و”المصباح” أبرز المكونات داخل المعارضة.