رقمنة وسجن..بلبريس تنشر أبرز تعديلات القانون الانتخابي الجديد

صادق المجلس الوزاري الأخير برئاسة الملك محمد السادس على مشروعي قانون تنظيميين يتعلقان بانتخاب أعضاء مجلس النواب والأحزاب السياسية، في خطوة اعتبرها متتبعون تحولاً نوعياً في الإطار القانوني المؤطر للانتخابات بالمغرب.

النص الجديد الذي اطلعت عليه بلبيرس، جاء محملاً بتعديلات واسعة مقارنة بالقانون السابق، وأبرز ما يميزه هو اعتماده على الرقمنة كآلية أساسية، وتشديده للرقابة المالية، وضبطه لمجال الحملات الدعائية والإعلام العمومي، إلى جانب تدابير جديدة لتوسيع قاعدة المشاركة السياسية.

الرقمنة لأول مرة في مساطر الترشح

أقرت المادة 21 من المشروع الجديد إلزامية إيداع الترشيحات عبر منصة إلكترونية خاصة، قبل تسليم النسخ الورقية إلى السلطات المعنية.

هذا الإجراء يشكل نقلة غير مسبوقة في تاريخ الانتخابات المغربية، حيث ظل القانون القديم حبيس الإجراءات الورقية التقليدية.

كما فتح المشروع الباب أمام المغاربة المقيمين بالخارج لإنجاز الوكالات الانتخابية بشكل رقمي معتمد على التوقيع الإلكتروني، في خطوة تنسجم مع التحولات التكنولوجية العالمية.

تعزيز التمثيلية النسائية والشبابية

حرص النص الجديد على تعزيز مبدأ المناصفة من خلال إلزامية التناوب بين النساء والرجال داخل اللوائح الجهوية، وهو ما نصت عليه المادة 23، بينما كان قانون 2011 يكتفي بلوائح وطنية خاصة بالنساء، دون آلية تضمن التناوب داخل الترشيحات.

كما تم استحداث دعم مالي إضافي للشباب دون 35 سنة لتشجيع مشاركتهم السياسية، وهو مقتضى يعكس رغبة واضحة في تجديد النخب وفتح المجال أمام طاقات جديدة.

صرامة أكبر في الرقابة المالية

وركز المشروع بشكل لافت على ضبط التمويل الانتخابي، حيث ألزمت المادة 92 وكلاء اللوائح بفتح حساب خاص بالحملة الانتخابية وتقديم تقرير مفصل للمجلس الأعلى للحسابات في أجل لا يتجاوز 90 يوماً بعد إعلان النتائج.

كما ربط القانون الاستفادة من الدعم العمومي بمدى احترام هذه الالتزامات، مع التنصيص على استرجاع المبالغ غير المبررة إلى خزينة الدولة. وهي مقتضيات لم تكن واضحة بنفس الصرامة في قانون 2011.

ضبط الحملات والدعاية والإعلام العمومي

في جانب الدعاية الانتخابية، نصت المواد 85 إلى 88 على منع استعمال الرموز الوطنية أو الدينية في الحملات، وتجريم استغلال مؤسسات الدولة أو مواردها في الترويج الانتخابي.

كما فرض المشروع مبدأ تكافؤ الفرص بين المترشحين في الاستفادة من وسائل الإعلام العمومي السمعي البصري، مع إخضاع هذه العملية لرقابة الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري (الهاكا).

كما نصت المقتضيات الجديدة على منع الإشهار المدفوع عبر المنصات الرقمية، خاصة في فترة الصمت الانتخابي.

مواجهة التلاعب الرقمي

أحد أقوى المستجدات في النص الجديد يتمثل في إدراج مقتضيات صريحة لمكافحة التلاعب الرقمي.

فقد نصت المادة 97 على تجريم استعمال أدوات الذكاء الاصطناعي والمنصات الرقمية لنشر أخبار زائفة أو محتويات مضللة خلال الحملات الانتخابية، مع عقوبات تصل إلى خمس سنوات سجناً وغرامات مالية كبيرة.

كما شدد النص على حظر استطلاعات الرأي خلال الحملات، بما في ذلك عبر شبكات التواصل الاجتماعي، مع عقوبات قد تصل إلى 500 ألف درهم.

نحو انتخابات أكثر شفافية

بهذه التعديلات، يظهر أن مشروع القانون التنظيمي الجديد لا يكتفي بسد ثغرات قانون 2011، بل يسعى إلى تأسيس منظومة انتخابية متطورة تستجيب للتحديات الرقمية وتضمن تكافؤ الفرص بين مختلف الفاعلين السياسيين.

الرقمنة، المناصفة، الرقابة المالية، وضبط الإعلام والدعاية، كلها أدوات ترمي إلى تحصين نزاهة الانتخابات وترسيخ الثقة في العملية الديمقراطية.

النص الجديد بحسب مراقبين لا يمثل مجرد تعديل تقني، بل يعكس إرادة سياسية لتعزيز الشفافية، وتجديد قواعد اللعبة الانتخابية بما ينسجم مع التحولات المجتمعية والتكنولوجية، ويضع المغرب أمام مرحلة انتخابية جديدة قوامها الصرامة، التوازن، والرقمنة.

المقالات المرتبطة

أضف رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *