هل يدعم البيجيدي “القمار القانوني”؟

رغم الشعارات البراقة التي ظلّ حزب العدالة والتنمية يرفعها لسنوات بشأن رفض القمار والمراهنات باعتبارها “ظواهر تتعارض مع المرجعية الإسلامية”، تكشف واقعة الإعلان المبتور على قناة “الرياضية” عن سقوط أخلاقي وسياسي مزدوج للحزب، بدا فيه وكأنه يصوّب سهامه فقط حين يتعلق الأمر بالقانون، لا بالقيم، وبهوية الشركة، لا بطبيعة الممارسة.

فالسؤال الكتابي الذي وجهته النائبة البرلمانية عن الحزب، فاطمة الزهراء باتا، إلى وزير الشباب والثقافة والتواصل، بدا مشبعاً بالغضب المشروع من بث خريطة للمغرب مبتورة من أقاليمه الجنوبية.

غير أن زاوية الهجوم الرئيسية لم تكن على تطبيع الإعلام العمومي مع ثقافة المقامرة والمراهنة، بل على أن الشركة المُعلنة “غير قانونية”، وكأن العدالة والتنمية يُضفي شرعية أخلاقية على القمار القانوني، ما دام يخضع للترخيص.

ويرى مراقبون أن هذا التمييز بين “القمار الحلال” و”القمار الحرام” قانوناً، يكشف انفصاماً بين الخطاب والممارسة، ويؤشر إلى أن الحزب، رغم تبنيه لمرجعية دينية، أصبح يشتغل بمنطق المسطرة القانونية و”أشياء أخرى” لا بمنطق القيم التي يدّعي تمثيلها، وهو ما يعيد إلى الواجهة المثل الشعبي، “لحم الذيب حرام ومرقتو حلال”، إذ كيف يمكن لحزب إسلامي أن يغضّ الطرف عن مؤسسات وشركات ترعى سلوكاً محرّماً شرعاً، لمجرد أنه مقنّن؟.

وهذه ليست أول مرة ينزلق فيها حزب العدالة والتنمية نحو خطاب انتقائي، فطوال سنوات قيادته للحكومة، لم يبادر إلى سن أي قانون يحظر المراهنات الرقمية أو يقيّد بثّها على القنوات الوطنية من خلال “الدعايات دوالإشهارات” المدفوعة ضمنيا، بل كانت دوريات المراهنة تُعرض بشكل علني على شاشات التلفزيون، وترعاها مؤسسات مالية وشركات إشهارية، دون أن نسمع صوتاً رافضاً من الحزب، واليوم فقط، حين جاءت شركة روسية غيرالقانونية تبث خريطة مبتورة، أصبح الأمر “فضيحة سياسية”.

إن ما وقع لا يمكن عزله عن سياق أعمق، يتمثل في انزلاق الحزب نحو أجندات شعبوية تُعلي منطق المزايدة على حساب وضوح الموقف، و”خدمة مقربي الاستقلال” على حساب المبدء، فحين يصبح المشكل في “الترخيص” وليس في “الظاهرة” ذاتها، فإن الحزب لا يدافع عن القيم، بل فقط عن قناع سياسي يرتديه حسب الحاجة، وسكوت الحزب عن حملات المقامرة المقننة والمقنّعة التي تستهوي الشباب، يؤكد أنه يعيش تراجعا قيميا حادا، ولم يعد يحرّكه هاجس التوجيه الأخلاقي، بل مجرد الرغبة في تسجيل نقاط إعلامية.

ولعلّ الأكثر خطورة في هذه الواقعة، هو أن الحزب اختار تسليط الضوء على تقصير إداري في الرقابة، وتغاضى تماماً عن الواقع الثقافي والاجتماعي الذي أصبحت فيه المراهنات الرقمية أشبه بإدمان جماعي، يتم الترويج له من بوابة “الرياضة والترفيه”، فيما تغيب أي مبادرات برلمانية جادة لمواجهة هذا النزيف الأخلاقي.

ويبدو أن العدالة والتنمية، الذي لطالما قدّم نفسه كصوت “الطهارة السياسية”، سقط اليوم في المحظور الأخلاقي والسياسي، وبدلاً من مساءلة الجوهر، اكتفى بالهجوم على الشكل، وبذلك، فإن مداخلته البرلمانية، رغم مشروعيتها القانونية في جانبها السيادي، تظل قاصرة عن مجابهة السؤال الأكبر: أين الحزب من جوهر الظاهرة؟ ولماذا يصمت حين يكون القمار قانونياً؟

ولا يُمكن للمواقف الانتقائية أن تبني شرعية سياسية ولا أن تحمي قيماً، ولا يمكن لحزب يتغاضى عن الظواهر المدمّرة للمجتمع أن يدّعي الدفاع عن ثوابته، فالخطأ في بث خريطة مبتورة للصحراء المغربية خطير بلا شك، لكنه لا يُخفي أن العدالة والتنمية اختار معركته في الزاوية الآمنة، تاركاً جوهر المعركة القيمية معلّقاً على الهامش.

المقالات المرتبطة

أضف رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *