الأغلبية تقترح “إعدام” المقاولات الصحفية

وسط النقاشات الدائرة تحت قبة البرلمان، وداخل أسوار مجلس النواب، حول مشروع القانون 26.25 المتعلق بالمجلس الوطني للصحافة، أثارت التعديلات التي اقترحتها فرق الأغلبية الحكومية جدلاً واسعاً، خاصة تلك المتعلقة بالعقوبات المالية التي طُرحت كبديل عن توقيف الصحف، الذي سيتُترك من دون شك للقضاء.

فقد تقدّمت الأغلبية بـ13 تعديلاً من أصل 249 تعديلًا تم تقديمها من طرف مختلف الفرق والمجموعات النيابية، في وقت توافقت فيه الأغلبية والمعارضة على أن صلاحية توقيف الصحف تبقى من اختصاص القضاء، ولا يمكن للمجلس الوطني للصحافة أن يمارسها.

غير أن هذا التوافق لم يمنع الأغلبية من اقتراح صيغة بديلة اعتُبرت لا تقلّ خطورة، عبر التنصيص على غرامات مالية ثقيلة تتراوح بين 30 و50 مليون سنتيم، مع الإبقاء على إمكانية لجوء المتضررين إلى القضاء للمطالبة بالتعويضات.

هذا التوجه، الذي يبدو ظاهرياً متوازناً بين حماية الحقوق الفردية واحترام استقلالية الصحافة، وُوجه بانتقادات حادة من مصادر من فئة الناشرين لـ”بلبريس” الذين اعتبروا أن العقوبات المقترحة من شأنها أن “تعدم” المقاولات الصحفية المتوسطة والصغيرة، التي تشكّل العمود الفقري للمشهد الإعلامي الوطني، كما رأى البعض في هذه الغرامات وسيلة للتضييق على حرية التعبير، تحت غطاء التنظيم الذاتي.

المثير في هذا السياق، أن المبالغ المقترحة كغرامات تفوق ما هو معمول به في تجارب دول ديمقراطية عريقة، حيث نادراً ما تتجاوز أقصى الغرامات في الأحكام القضائية الأوروبية سقف 20 ألف دولار، بينما تصل المقترحات المغربية إلى أكثر من ضعف هذا الرقم، وهو ما رأى فيه مراقبون  يحمل “هدفا ضمنيا بعيدا عن حماية المتضررين، بل دفع وسائل إعلام بعينها نحو الإفلاس والصمت القسري”.

وبينما يتواصل النقاش البرلماني حول هذه التعديلات، يتصاعد القلق داخل الوسط الإعلامي من أن يتحول مشروع القانون إلى أداة قانونية لإقبار الصحافة المستقلة، بدل أن يشكل رافعة لتنظيم القطاع وضمان حقوق مختلف الفاعلين فيه.

هذا وتُطرح مخاوف جدية من أن الغرامات المالية الثقيلة المقترحة ستدفع الناشرين إلى تشديد الرقابة على عمل الصحفيين داخل المؤسسات الإعلامية، تفادياً لأي محتوى قد يُعرّضهم لمخاطر أداء هذه العقوبات القاسية، وبحكم أن المقاولات الصحفية، خاصة المتوسطة والصغيرة منها، لا تملك هامشاً مالياً لمواجهة غرامات قد تصل إلى 50 مليون سنتيم، فإنها ستسعى بكل الوسائل إلى تقليص احتمالات الملاحقة، حتى وإن تطلّب الأمر التضحية بحرية التعبير.

وفي ظل هذا المناخ، سيجد الصحفيون أنفسهم محاصرين برقابة داخلية مشددة يفرضها الناشر نفسه، تتجاوز في حدّتها ما قد تفرضه أي جهة خارجية، واعتباراً لسوابق أحكام صدرت ضد صحفيين ومؤسسات، قد يُضطر العديد منهم إلى ممارسة الرقابة الذاتية المسبقة أو تجنّب الخوض في مواضيع حساسة، وهو ما يُنذر بتراجع خطير في منسوب حرية الصحافة، وتحوّل المؤسسات الإعلامية إلى كيانات حذرة تشتغل تحت ضغط الخوف من العقاب المالي بدل الالتزام بالمهنية والمسؤولية.

المقالات المرتبطة

أضف رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *