قالو. لا ينشر

أثار الرد العسكري الحاسم للقوات المسلحة الملكية، عقب الهجوم الذي استهدف محيط مدينة السمارة يوم الجمعة 27 يونيو 2025، اهتمام عدد من المراقبين والخبراء في الشأن الأمني والعسكري، باعتباره تحولًا نوعيًا في قواعد الاشتباك مع ميليشيات جبهة البوليساريو الانفصالية. فبعد ساعات قليلة من سقوط مقذوفات قرب مناطق مأهولة ومدنية، نفذت طائرة بدون طيار مغربية ضربة دقيقة استهدفت السيارة التي كانت تقلّ العناصر المتورطة في العملية، مما أدى إلى تدميرها بالكامل شرق الجدار الأمني، في رسالة قوية مفادها أن الرد المغربي بات فوريًا وفعّالًا ومبنيًا على المعلومة الاستخباراتية الدقيقة.

وفي هذا السياق، يرى محللون أن المغرب لم يعد يكتفي بسياسة "ضبط النفس"، بل أصبح يعتمد استراتيجية الردع الاستباقي التي توازن بين احترام التزاماته الدولية والرد الصارم على أي تهديد أمني. فكيف قرأ الخبراء هذا التحول؟ وما دلالاته في ضوء المعطيات الميدانية والإقليمية؟ وهل يشكل هذا الرد رسالة عسكرية فقط، أم أن له أبعادًا سياسية أوسع تتجاوز الحادث العرضي؟ في هذا المقال، نستعرض آراء وتحليلات مجموعة من المختصين في الشأن الاستراتيجي والدفاعي حول الرسائل المضمَنة في هذا الرد المغربي المدروس.

صبري الحو: استهداف “البوليساريو” للسمارة يعزز المبادرة الأمريكية تصنيف الجبهة منظمة إرهابية

اعتبر المحامي صبري الحو سقوط مقذوفات جبهة البوليساريو الانفصالية في السمارة، تأكيداً على أهمية المبادرة التشريعية الأمريكية تصنيفها منظمة إرهابية.

وقال صبري الحو، الخبير في القانون الدولي ونزاع الصحراء، إن إطلاق البوليساريو قاذفات نحو مدينة السمارة من شأنه أن “يؤجج النقاش الذي أثاره تقديم السيناتور الجمهوري جون ويلسون مشروع قانون أمام الكونغرس يصنف البوليساريو منظمة إرهابية”.

وأشار الحو إلى أن مثل هذه الأحدث توفر مزيداً من الحجج والوقائع المؤيدة لإدراج البوليساريو في قائمة المنظمات الارهابية.

واهتزت مدينة السمارة، يوم الجمعة 27 يونيو 2025، على وقع انفجارات جراء سقوط عدد من المقذوفات بالقرب من محيط بعثة الأمم المتحدة “المينورسو” على مستوى منطقة الريبية، بالقرب من السكن الجديد.

 

ووفق ما أفادت به مصادر محلية متطابقة، فإن القصف لم يُسفر عن أي خسائر بشرية أو مادية، لكنه خلف حالة من الذعر والقلق في صفوف الساكنة، فيما باشرت السلطات الأمنية تطويق الموقع وفتح تحقيق فوري للوقوف على ملابسات الحادث.

 

ورجحت المصادر ذاتها أن تكون القذائف قد أُطلقت من طرف عناصر جبهة البوليساريو الانفصالية، مبرزة سقوط المقذوفات على بعد ثلاثة كيلومترات من مركز المدينة.

 

وتوقف الخبير في نزاع الصحراء عند دلالات وأهمية مشروع القانون الأمريكي، وكيف يمكنه المساهمة في حل النزاع، عاداً إياه وعياً متطابقاً من المشرع الأمريكي مع قرار السلطة التنفيذية التي اتخذت سنة 2020 مرسوماً يعترف للمغرب بالسيادة على كل الصحراء.

 

ويرى الحو في هذا الصدد أن المشرع الأمريكي يعبر عن التزامه في إطار خارطة طريق محددة المنطلقات والأطراف والطريقة لإنهاء النزاع في إطار الحكم الذاتي. وأشار إلى أن هذا الوعي “بدأ ينفذ إلى قناعة المشرع الأمريكي بوجوب الانخراط والمشاركة الإيجابية لتحديد خطوات السير في اتجاه الاستراتيجية الأمريكية المعلنة”.

 

واعتبره وعياً متطوراً باعتبار أن مشروع القانون الأمريكي “وبغض النظر عن علاقته بالمنافع والمصالح الأمريكية، فإنه يعتبر خطوة عملية مهمة تكسر الصمت وتتجاوز التردد، وتزيل القناع وتجلب انتباه العالم إلى التمعن أكثر وبشكل عقلاني وواقعي بشأن حقيقة البوليساريو وخطورتها”، فضلاً عن “نشأتها وتاريخها وواقع شبكاتها مع الجريمة المنظمة، والجماعات الإرهابية في المنطقة”.

 

كما تنبه إلى خطورة كل ذلك على الأمن والاستقرار في المنطقة المغاربية، وفي منطقة الساحل والصحراء.

 

وشدد المحامي في هيئة مكناس على أن هذه الخطوة الأمريكية “تُعد انقلاباً في شكل تطور وتغيير جذري ينفي وينسخ ويهدم ويعدم على البوليساريو كل ما راكمته الجزائر لصالحها”، وذلك من خلال سعي هذه الأخيرة لتثبيت وجود البوليساريو كقيادة أو سلطة أو دولة، مشيراً إلى أن المشروع “ينفي عليها أي وجود حتى كـ’صفة’ لأنها مرتبطة بالوجود غير المشروع في علاقتها بالإرهاب في كل تجلياته وأشكاله”.

ويعد المشروع الذي تقدم به السناتور الجمهوري “خطوة مؤثرة في نتيجة الحل لصالح المغرب”، كما أنها تعجل بحسب صربي الحوب بالحل والتماسه والانخراط فيه من طرف الجزائر “التي ترفضه وتتهرب منه وتماطل وتشاكس لعدم نجاحه”،

وأوضح الحو أن هذا المشروع من شأنه أن يؤدي من الناحية العملية إلى اصطدام الجزائر مع الحقيقة في ضرورة الانخراط كطرف أساسي في حل النزاع، و إقرارها بمسؤوليتها الإنسانية القانونية والسياسية كدولة لجوء.

 

وشدد على ضرورة إشعارها، “إلى جانب شعورها الذاتي والمسؤول بإلتزاماتها القانونية وفقاً لقواعد القانون الدولي”، مع إنذارها بضرورة تصحيح الوضعية الحالية، وتقويم ما تؤسّس له من “وضعية مختلة سواء داخل إقليمها في مخيمات تندوف أو مع جوارها المغربي وفي كل المنطقة المغاربية، وعلى أمن واستقرار الساحل والصحراء”.

ويرى الحو أن الجزائر “تسقط في جريمة المشاركة والاتهام بدعم الارهاب”، موضحاً أن المشروع الأمريكي من شأنه أن يضع الجزائر في مواجهة المجتمع الدولي والأممي وكل الدول والمنظمات التي ترفض وتحارب الارهاب.

ويعتبر المشروع امتياز في حد ذاته لفائدة الحل تحت سيادة المغرب، الذي “عليه التقاط هذه الإشارات واستثمارها في إطار مبادرات داخلية تتطابق أو تتكامل مع المشروع الأمريكي أو تسبقه”، وفقاً للخبير في نزاع الصحراء، مؤكداً على أن هذا الأخير يتطابق بدوره مع مرسوم السلطة التنفيذية الأمريكية، كما أنه “خطوة دفع عملية وحقيقية تستعجل الحل”.

وتقدم السيناتور الأمريكي، جو ويلسون، عن الحزب الجمهوري بمشروع قانون إلى الكونغرس الأمريكي يهدف إلى تصنيف جبهة البوليساريو الانفصالية، منظمة إرهابية مع اقتراح فرض عقوبات عليها.

وكتب ويلسون في منشور على حسابه الخاص بموقع “إكس”، “البوليساريو ميليشيا ماركسية تحظى بدعم من إيران، وحزب الله، وروسيا. هذا التحالف يمنح إيران موطئ قدم استراتيجي في إفريقيا، مما يزعزع استقرار المملكة المغربية، الحليف للولايات المتحدة منذ 248 عامًا.”

محمد بنطلحة الدكالي:الجبهة “كيان فاقد للهوية والشرعية والاستقلالية واتخاذ القرار

قال محمد بنطلحة الدكالي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاضي عياض بمراكش، إن ما أقدمت عليه جبهة البوليساريو “ليس هجمات بريئة”، مشيرا إلى أن “هذه التحركات تزامنت مع تقديم السيناتور الجمهوري الأمريكي جو ويلسون، إلى جانب النائب الديمقراطي جيمي بانيتا، مشروع قانون في الكونغرس الأميركي يهدف إلى تصنيف الجبهة تنظيما إرهابيا أجنبيا”.

وأضاف الدكالي، أن الجبهة “كيان فاقد للهوية والشرعية والاستقلالية واتخاذ القرار، لأن القرار الأساسي يعود في النهاية إلى النظام العسكري الجزائري”، موضحا أنه “لا يمكن لتنظيم بهذا الضعف أن يغامر بهجمة صاروخية دون نيل ضوء أخضر من المؤسسة العسكرية الجزائرية”.

وأكد الباحث ذاته أن هذا النظام الحاكم في الجارة الشرقية “يسعى إلى جرّ المنطقة نحو حرب إقليمية”، وأنه من خلال هذه العمليات “يحاول جس نبض المغرب، والمجتمع الدولي، والأمم المتحدة كذلك”، ولفت إلى أن “المغرب رغم هذه الاستفزازات المتكررة يتسم بالرزانة وضبط النفس، ويتمسك بالشرعية الدولية”.

وشدد الأكاديمي المغربي على أن “الرباط لا تغامر برد فعل على استفزازات من هذا النوع”، مبرزا أن ما حدث “ليس المرة الأولى”، وقال: “لا يكفي أن ينشط الإعلاميون والباحثون والخبراء في اتجاه النداء إلى تصنيف الجبهة منظمة إرهابية؛ فالمطلوب أن تتبنى الدبلوماسية المغربية هذا الموقف رسميا”.

وأبرز الدكالي أن “المملكة لا تستبق الأحداث، لكنها في كامل الجاهزية والاستعداد والقوة”، مشيرا إلى أن “الهجمات الانتحارية البئيسة لا ترعب المغرب”، وأضاف أن “الدبلوماسية المغربية لا تنساق وراء ردود فعل انفعالية، لأن ذلك ما يسعى إليه النظام العسكري الجزائري، الذي يراهن على التشويش على القرار المغربي لكنه لا يفلح”.

 

محمد نشطاوي:مسار خلق توتر إقليمي وجر المنطقة إلى حرب

 

محمد نشطاوي، أستاذ العلاقات الدولية، سجل أن تعرّض مناطق قرب مدينة سمارة لضربات من قبل جبهة البوليساريو يندرج في “مسار خلق توتر إقليمي وجر المنطقة إلى حرب”، خصوصا إذا تمت قراءته ضمن سياق يستحضر المكتسبات التي حققها المغرب فيما يتعلق بمبادرة الحكم الذاتي وكسب اعترافات متعددة بسيادة المملكة على الأقاليم الجنوبية”.

 

وأكد نشطاوي،  أن هذه الرشقة الصاروخية غير المسؤولة “لا شكّ أنها كانت بإيعاز من الجزائر التي تتحكم في مسار اتخاذ القرار داخل جبهة البوليساريو الانفصالية”، مشيرا إلى أن “هذه المحاولة تهدف إلى تأكيد أن البوليساريو مازالت حاضرة، رغم التنديد الدولي الواسع الذي سوف يصاحب هذه العملية”.

 

وأفاد أستاذ العلاقات الدولية بأن “قوات المينورسو حضرت الضربة، وقامت بإعداد تقارير مفصلة حول ما جرى، وهذا سوف يوضح مدى عدم احترام الجبهة ومن يدعمها لوقف إطلاق النار”، موردا أنه يأتي “في ظل المبادرة التي أطلقها عضوا الكونغرس الأمريكيان لتصنيف المنظمة حركة إرهابية”، وأن “ما تقوم به الجبهة يؤكد هذا الطرح”.

 

وأشار نشطاوي إلى أن هذه الهجمات الجبانة “تسعى لجعل المنطقة غير مستقرة وغير آمنة”، خالصا إلى أن “هذه الأحداث تلقي بدلالات واضحة على الوضع الحالي والنهائي لقضية الصحراء المغربية، مؤكدا أن ما تقوم به الجبهة الانفصالية الإرهابية هو دليل على أنها تناقض الاستقرار في المنطقة وتقوّض مبادئ وأسس الأمم المتحدة