أثار تقرير صادر عن موقع "إسكودو ديخيتال" الإسباني المتخصص في قضايا الأمن والتكنولوجيا جدلاً في الأوساط العسكرية والإعلامية بإسبانيا، بعدما نبه إلى ما وصفه بـ"التهديد الاستراتيجي" المحتمل في حال حصول المغرب على مقاتلات "F-35" الأمريكية المتطورة. ورغم أن الأمر لا يزال في خانة الاحتمالات، إلا أن التقرير شدد على أن مدريد مطالَبة بأخذ هذا السيناريو على محمل الجد، بالنظر إلى ما قد يعنيه من اختلال كبير في ميزان القوى بشمال إفريقيا لصالح الرباط.
التقرير لم يُخف قلقه من السيناريو الذي قد يجعل المغرب أول بلد إفريقي يمتلك هذه الطائرة القتالية الشبح، التي تُعد من أكثر الأنظمة الجوية تطوراً في العالم، سواء على مستوى قدرات التخفي أو تقنيات الحرب الإلكترونية أو إمكانيات تبادل المعلومات في الزمن الحقيقي. فوفق ما أورده المصدر نفسه، فإن F-35 ليست مجرد طائرة مقاتلة، بل منصة قتالية متعددة الوظائف قادرة على قلب موازين الردع الاستراتيجي، خاصة في محيط مضيق جبل طارق حيث تتقاطع مصالح قوى إقليمية وأطلسية.
ويكتسب هذا السيناريو وزنه في ظل السياق الإقليمي، الذي يشهد توجهاً جزائرياً موازياً نحو اقتناء مقاتلات سوخوي 57 الروسية من الجيل الخامس، ما يعزز فرص اشتعال سباق تسلح غير مسبوق بين الجارين. لكن رغم هذه التوازنات الظاهرة، فإن الكفة التقنية والعسكرية تميل بوضوح لصالح المغرب، بالنظر إلى مستوى الانسجام بين الرباط وواشنطن، والدعم المتواصل الذي تحظى به القوات المسلحة الملكية من طرف شركاء استراتيجيين كإسرائيل والولايات المتحدة.
ويشير التقرير إلى أن إدخال F-35 إلى الترسانة المغربية سيغير قواعد اللعبة بالكامل، وقد يجعل من وجود القوات الإسبانية في سبتة ومليلية وحتى في جزر الكناري مسألة رمزية أكثر منها عملية، في حال قررت الرباط تفعيل خيارات الردع الاستراتيجي دون حتى إطلاق رصاصة واحدة. فبفضل مدى الطائرة الذي يتجاوز 1000 كيلومتر وقدرتها على التزود بالوقود جواً، تستطيع التلويح بالقوة وإعادة رسم خرائط التوازن دون الحاجة إلى الاحتكاك المباشر.
ورغم أن التقرير الإسباني حرص على إبراز السيناريو من زاوية القلق الدفاعي، إلا أن قراءة معمقة تظهر أن المغرب بات يُنظر إليه كقوة إقليمية صاعدة، فرضت نفسها بمنطق التطور لا بمنطق الاستفزاز، واستثمرت بذكاء في تحالفات استراتيجية مع القوى العظمى لتأمين مصالحه السيادية والرد على أي تهديد محتمل، دون الاضطرار للدخول في مغامرات عسكرية غير محسوبة.
وفي المقابل، وجد التقرير نفسه مضطراً للاعتراف بتراجع موقع مدريد في علاقاتها الدفاعية مع واشنطن، بالمقارنة مع الدينامية التي تعرفها الشراكة المغربية الأمريكية. بل إن ما يخشاه التقرير صراحة هو أن تعيد الولايات المتحدة تموضعها الاستراتيجي في المنطقة عبر اعتبار الرباط شريكاً أول، وهو تطور منطقي بالنظر إلى التزامات المغرب الأمنية ودوره المحوري في مكافحة الإرهاب والهجرة غير النظامية، إضافة إلى استقراره السياسي والاقتصادي.
ولا يُخفي التقرير أن الخيارات المتاحة أمام إسبانيا محدودة ومكلفة، سواء تعلق الأمر بالإسراع في الانضمام إلى برنامج الطائرة الأوروبية FCAS أو اقتناء نسخ بحرية من F-35 لتعزيز جاهزية حاملتها "خوان كارلوس الأول". لكن يبقى الأهم في هذا كله هو إدراك مدريد أن المنطقة لم تعد تخضع لمعادلات القوة التقليدية، وأن المغرب أصبح رقماً صعباً في معادلة الأمن الإقليمي، لا يمكن تجاوزه ولا التعامل معه بذات العقلية القديمة.