كشفت مصادر لـ"بلبريس" أن مكتب مجلس النواب لن يُبت في طلب تشكيل لجنة تقصي الحقائق المقدم من طرف المعارضة بشأن ملف دعم استيراد المواشي وتربيتها، نظرًا لـ"عدم استيفائه الشروط القانونية والدستورية".
وأوضحت المصادر أن الطلب المذكور يفتقر إلى التوقيعات الكافية، إذ يشترط الفصل 67 من الدستور تقديم طلب موقع من ثلث أعضاء مجلس النواب أو المستشارين (ما يعادل 132 توقيعًا)، وهو شرط غير متحقق في هذه الحالة، والذي ينص "علاوة على اللجان الدائمة المشار إليها في الفقرة السابقة، يجوز أن تشكلبمبادرة من الملك، أو بطلب من ثلث أعضاء مجلس النواب، أو ثلث أعضاء مجلس المستشارين، لجان نيابية لتقصي الحقائق، يُناط بها جمع المعلومات المتعلقة بوقائع معينة، أو بتدبير المصالح أوالمؤسسات والمقاولات العمومية، وإطلاع المجلس الذي شكلها على نتائج أعمالها، ولا يجوز تكوين لجان لتقصي الحقائق، في وقائع تكون موضوع متابعات قضائية، ما دامت هذه المتابعات جارية ؛ وتنتهي مهمة كل لجنة لتقصي الحقائق، سبق تكوينها، فور فتح تحقيق قضائي في الوقائع التي اقتضت تشكيلها. لجان تقصي الحقائق مؤقتة بطبيعتها، وتنتهي أعمالها بإيداع تقريرها لدى مكتب المجلس المعني، وعند الاقتضاء، بإحالته على القضاء من قبل رئيس هذا المجلس. تخصص جلسة عمومية داخل المجلس المعني لمناقشة تقارير لجان تقصي الحقائق. يحدد قانون تنظيمي طريقة تسيير هذه اللجان".
دمج الطلبات في مهمة استطلاعية موحدة
في سياق متصل، أشارت المصادر إلى وجود توجه داخل مجلس النواب لدمج طلب المعارضة مع طلبي الأغلبية المتعلقين بـ"الاختلالات في تسويق اللحوم الحمراء وضبط أسعارها" و"البرامج التعاقدية بين الدولة والجمعيات البيمهنية"، وذلك في إطار مهمة استطلاعية واحدة تنبثق عن لجنة القطاعات الإنتاجية.
وأضافت المصادر أن هذا المقترح يأتي تماشيًا مع المادة 142 من النظام الداخلي لمجلس النواب، التي تمنع تنظيم أكثر من مهمتين استطلاعيتين في آن واحد حول الموضوع ذاته خلال الولاية التشريعية الواحدة، والتي جاء فيها "يمكن للجن الدائمة أن تكلف بمبادرة من رئيسها أو بطلب من رئيس فريق نيابي أو رئيس مجموعة نيابية أو ثلث أعضاء اللجنة وبعد موافقة مكتبها عضوين أو أكثر من أعضائها، بمهمة استطلاعية مؤقتة حول موضوع يهم المجتمع، أو يتعلق بنشاط من أنشطة الحكومة والإدارات والمؤسسات والمقاولات العمومية باتفاق مع مكتب مجلس النواب. المهام الاستطلاعية مهام إخبارية بطبيعتها، ويكون موضوعها مندرجا ضمن القطاعات والمجالات والمؤسسات التي تدخل في اختصاصات اللجنة المعنية. ويضع مكتب المجلس لائحة داخلية تنظم أشغال هذه المهام الاستطلاعية وفق مقتضيات هذا النظام الداخلي. يوجه رئيس اللجنة المعنية كتابا بطلب الإذن لرئيس المجلس مرفقا بتكليف بالمهمة موضوع الاستطلاع واستبانة الحاجة إليه وحدوده والغاية منه، وكذلك مجموع الأسئلة والإشكالات التي يروم الإجابة عليها، ومكان وزمان القيام بها مع توصيف الخبرات والوسائل المادية الضرورية لإجراء المهمة. لا يمكن للجنة دائمة أن تنظم أكثر من مهمتين استطلاعيتين في آن واحد، إلى حين انتهاء إحدى المهمتين أو كلتيهما من أشغالها وتقديم تقاريرها وفق ما هو مبين في المادة 147 من هذا النظام الداخلي. ولا يمكن برمجة مهمتين استطلاعيتين في نفس الموضوع خلال ولاية تشريعية واحدة".
مسار التداول والقرار النهائي
من المتوقع أن تخضع هذه المقترحات لمزيد من التداول داخل هياكل اللجنة الدائمة بمجلس النواب، بمشاركة كافة الأطياف السياسية، قبل رفعها إلى مكتب المجلس لاتخاذ القرار النهائي بشأن تشكيل اللجنة المؤقتة وتحديد مهامها.
وأكد مصدر خاص، أن الهدف من هذه الخطوة هو "تجاوب المؤسسة التشريعية مع أكبر عدد ممكن من الطلبات، مع ضمان دور رقابي فعال لكافة المكونات النيابية".
استهلاك سياسي أم مطلب حقيقي؟
من جهة أخرى، اعتبر مصدر نيابي أن طلب المعارضة بتشكيل لجنة تقصي الحقائق يندرج في إطار "الاستهلاك السياسي"، نظرًا لاستحالة تحقيقه على أرض الواقع دون استيفاء الشروط الدستورية.
وأشار إلى أن مكونات فرق ومجموعة المعارضة تدرك صعوبة تحقيق هذا المطلب، لكنها تسعى إلى توظيفه سياسيًا، لا أكثر ولا أقل كما وقع أيضا في ما يخص ملتمس الرقابة الذي عجز الاتحاديون عن تحقيقه، مؤكدًا أن المجلس لا يتداول في طلبات غير رسمية أو غير مستوفية للشروط.
يُذكر أن الملفات المتعلقة بقطاع تربية المواشي واستيراد اللحوم حظيت باهتمام واسع من الرأي العام في الفترة الأخيرة، ما دفع البرلمان إلى البحث عن آليات رقابية فعالة لمعالجة الاختلالات وتجويد السياسات العمومية في هذا المجال.المعارضة تهاجم
من جانبه، قال عبد الله بووانو، رئيس المجموعة النيابية للعدالة والتنمية بمجلس النواب، إن « تضارب المعطيات بين وزراء الحكومة في ملف دعم استيراد الأغنام والأبقار كشف أن الحكومة باتت فعلا مفككة ».
وأكد بوانو، خلال اجتماع المجموعة النيابية أن « الوضعية الاقتصادية والاجتماعية المضطربة بسبب عجز الحكومة، ومحدودية اجراءاتها، تفرض هي الأخرى تحديات كبيرة على البلاد، في ظل استمرار ارتفاع معدلات البطالة، واستمرار تدهور القدرة الشرائية للمواطنين، في غياب مبادرات ناجعة، أو حتى سياسة تواصلية تشرح وتوضح للمواطنين حقيقة الوضعية، وتبعث في النفوس الأمل والطمأنينة ».
واعتبر القيادي والبرلماني أن « الاشكالات التي فجرها فشل اجراء دعم استيراد الأغنام والابقار، فضيحة كبيرة وستكون لها تداعيات خطيرة »، مؤكد أن « الحكومة باتت فعلا مفككة بسبب تضارب المعطيات بين وزرائها في هذا الموضوع »، مضيفا: « لذلك اختارت المعارضة أن تتجه إلى تشكيل لجنة تقصي الحقائق، للتثبت من المعطيات ».
واعتبر بوانو أن « مبادرة الأغلبية بطلب تشكيل مهمة استطلاعية هدفه التشويش والتغطية على الحقيقة »، مشيرا إلى ما اعتبره « موانع قانونية ستقف دون تشكيل هذه المهمة، وأن القرار الصائب سيكون هو تشكيل لجنة تقصي الحقائق ».
يذكر أن المجموعة النيابية للعدالة والتنمية بمجلس النواب والفريق الحركي وفريق التقدم والاشتراكية أعلنوا عن إطلاق مبادرة لتشكيل لجنة نيابية لتقصي الحقائق حول الوقائع المتعلقة بمختلف أشكال الدعم الحكومي الموجه لاستيراد المواشي ولقطاع تربية المواشي بصفة عامة، بعد الجدل الذي أثارته التصريحات المتضاربة حول كلفته التي لم تؤثر على الأسعار.