معضلة حكومة أخنوش ... كثير من الوزراء ''التكنوقراط'' وقليل من السياسيين وضعف في التواصل والتسويق

أكدت كيفية تدبير حكومة أخنوش الاحتجاجات الأخيرة التي واجهتها منذ توليها تدبير الشأن العام بالمغرب - في كل القطاعات الحكومية خصوصا منها قطاعي التعليم والصحة - أن تخبطها في مواجهة هذه الاحتجاجات يرتبط في العمق بضعف الحس السياسي عند الكثير من وزرائها لكونهم وزراء ‘’تكنوقراط’’ وليسوا وزراء ‘’سياسيون’’.

كيفية تدبير هذه الاحتجاجات سواء في قطاعات التعليم أو الصحة أو المحامون أعادت حكومة الكفاءات للواجهة ،والتساؤل عن مدى جدية ومصداقية الأحزاب المشكلة للأغلبية الحكومية، أي أحزاب التجمع الوطني الأحرار والاستقلال والأصالة والمعاصرة في اختيار وزراء في مستوى تطلعات العهد الجديد الذي يقوده صاحب الجلالة بحكمة وبصيرة وبحس سياسي رفيع .
الأمر الذي يبرهن بالملموس على أن رهان أخنوش على وزراء "تكنوقراطيين" لن يكون مجديا في مواجهة تحديات وإكراهات السياق الاقتصادي والاجتماعي الصعب الذي يمر منه المغرب حاليا.
صحيح ، تواجد وزراء تكنوقراطيين في كل حكومات ما بعد دستور 2011 ومنها حكومة أخنوش ليس قدرا ، لكنه نتيجة طبيعية بسبب انبطاح القيادات الحزبية و تراجع النخب السياسية للوراء، حيث أصبح حضور التكنوقراط في الحكومات المغربية المتعاقبة أشبه بعرف سياسي، لأنه لم تخل أي حكومة من نخب تكنوقراطية ذات مرجعية تقنية وتدبيرية صرفة؛ نخب قوتها الخبرة والانضباط والكفاءة التدبيرية تؤهلها تحمل مناصب حكومية وفق رؤية تعطي الأولوية لقضية التنمية الاقتصادية على حساب السياسة بمعناها الدقيق.

حضور قوي لوزراء تكنوقراط مقابل ضعف وزراء سياسيون في حكومة أخنوش

يلاحظ المهتم كيف أصبح وجود وزراء "تكنوقراط" في الحكومات المغربية المتعاقبة "ثابتا من ثوابت الممارسة السياسية بالمغرب وأحد أعرافها، لأسباب متعددة من أهمها: أولا  قرب هذه النخبة من السلطة ، وثانيا الخبرة والانضباط والكفاءة التدبيرية التي تؤهلهم لتسيير دواليب الدولة ، وثالثا محاصرة النخب المؤهلة والكفاءات من طرف قيادة الأحزاب السياسية لكونها تعتبر هذه الكفاءات مصدر إزعاج لها .
ويرى بعض الباحثين ومتتبعي الشأن السياسي في المغرب أن لجوء رئيس الحكومة إلى "التكنوقراط"، مقابل اقصاء وزراء سياسيين قد تفرضه أجندات الدولة .
لكون لجوء رئيس الحكومة للوزراء التكنوقراط لتسيير بعض الوزارات يمليه حاجة الدولة إلى نخب لها الخبرة العملية والممارسة ،لكون الأحزاب السياسية تفتقر لهذا النوع من البروفيلات والكفاءات، لذلك تلتجئ السلطة – أحيانا- إلى تلوين هذه النخب التكنوقراطية بأحد الألوان الحزبية، لإضفاء نوع من الشرعية السياسية عليها، لكن خبرتها تتوقف زمن ظهور الأزمات وزمن مواجهة الملفات الحارقة.
لكن ، يجب أن نعترف بأن اللجوء "للتكنوقراط" لا يعني رفض نخب الأحزاب السياسية بقدر ما يعني أن الأحزاب السياسية مطالبة للاستثمار في تجديد نخبها ومناضليها على أساس الكفاءة والجدية والنضال وتكافؤ الفرص وليس على أسس الخنوع والانبطاح وتقديس زعيم الحزب .
وفي هذا الصدد أشار صاحب الجلالة الملك محمد السادس اول خطاب للعرش سنة 2019 على أن المغرب مقبل على عهد جديد بجيل جديدا من المشاريع، ستتطلب نخبا جديدة من الكفاءات في مختلف المناصب والمسؤوليات، لضخ دماء جديدة على مستوى المؤسسات والهيئات السياسية والاقتصادية والإدارية، بما فيها الحكومة.
لكن ، مع الأسف عوض تفاعل قيادات الأحزاب السياسية إيجابيا مع دعوات الخطاب الملكي فضلت الاستمرار في محاربة الكفاءات داخلها وتهميشها ، لتبقى متحكمة في تدبير الأحزاب بنخب منبطحة لهاته القيادات وخاضعة لأوامرها.
حكومة أخنوش حققت إنجازات هائلة لكنها فشلت في تسويقها  وفي التواصل المؤسساتي بشأنها :

للأمانة العلمية، تزامن تشكيل حكومة أخنوش مع سياق صعب ومعقد أبرز تجلياته الوباء والغلاء والجفاف وطنيا ، والحروب والاضطرابات الاقتصادية والسياسية والمالية إقليميا ودوليا، ورغم ذلك توفقت حكومة أخنوش– نسبيا- في المقاومة والصمود والحفاظ على السلم والأمن الاجتماعيين ، وتحقيق إنجازات لا ينكرها إلا جاحدا بالبلاد وفق التعليمات الملكية.
وقد نهجت سياسة أخنوش مقاربة شجاعة في السياسات العمومية نذكر منها :
1-نهج سياسة اجتماعية شجاعة

2 -اتخاذ إجراءات نوعية ذات أثر على القدرة الشـرائيـــة

3- إجراءات غير مسبوقة لدعم ألاسر على تملك السكن

4 - تعميم التغطية الصحية للجميع عبر التأمين الإجباري عن المرض

5- حكامة صحية جديدة وتعزيز لميزانية القطاع

6- سياسة القرب لمحاربة ظاهرة التصحر الطبي

7- تحفيز مهنيي قطاع الصحة، .

8 - مجهودات ملموسة لتحسين جودة التعليم

إنجازات تؤكد إرادة حكومة أخنوش القوية في ترسيخ سياسات عمومية اجتماعية في ظروف استثنائية ، ولا أحد يمكن أن ينكر جهود هذه الحكومة في إرساء العدالة الاجتماعية في ظروف اقتصادية واجتماعية استثنائية ، لكن ما تعاني منه حكومة أخنوش هو ضعف تواصلها مع الرأي العام وكيفية تسويق إنجازاتها، وهذا له علاقة بهيمنة الوزراء التكنقراط مقابل ضعف حضور الوزراء السياسيين في تشكيلته الحكومية.

وعليه، فحكومة أخنوش بحاجة لتواصل مؤسساتي مع الشعب ، وبتسويق لإنجازات حكومته وهي كثيرة،وهذا ما صرح به أحد الوزراء المشاركين في حكومة اخنوش بكل شجاعة ، مشيرا إلى أن الإنجازات التي تحققت يقابلها “فشل في التسويق لها في الرأي العام”. مضيفا: “الحكومة تبذل جهدًا كبيرًا، ولكننا في بعض الأحيان نظهر كأننا ضعاف في وسائل الإعلام، بينما نتمتع بمركز قوة”.

مشددا لقد: “اشتغلنا مع رئيس الحكومة ليل نهار، وكل صباح يأتي بملف جديد ويعلن بداية المناقشة، مثل تخصيص 9 مليارات درهم لقطاع التعليم، و46 مليار درهم للمقاصة، و10 مليارات درهم لدعم أسعار الشعير، و5 مليارات درهم لتوفير مياه الشرب”.

ومضيفا -في نفس الوقت- أن كل هذه الجهود التي بذلتها الحكومة، بالإضافة إلى ما تم إنجازه في زلزال الحوز بتوجيهات ملكية وبرنامج الدعم الاجتماعي المباشر، تتطلب تسويقًا فعَّالاً، متسائلا: “هل نحن فاشلين في تسويق كل هذا للرأي العام؟”
كلام الوزير المشاكس عبد اللطيف وهبي هو عين العقل ، هناك إنجازات حكومية هائلة ، لكن بوزراء لا يتواصلون حتى مع مناضلي أحزابهم ، ولا يعرفون كيف يسوقون هذه الإنجازات . لذلك نختم  بقولنا ، ان ضعف تواجد وزراء سياسيين في حكومة اخنوش ، وغياب تواصل مؤسساتي عند الكثير من وزراء هذه الحكومة وغياب تسويق جيد للانجازات الحكومة  من اهم ما يعيق حكومة أخنوش لكي تؤثر إيجابا في الرأي العام، وتسوق إنجازاتها بشكل فعال.