قطر: موجة تسريحات ضخمة تضرب الجزيرة و’’بي إن سبورتس’’

تجتاح موجة تسريح واسعة النطاق كلاً من شبكة الجزيرة الإعلامية ومجموعة قنوات "بي إن سبورتس" القطرية، في خطوة استراتيجية تعكس التحولات الجذرية التي تفرضها الثورة الرقمية على المشهد الإعلامي العالمي.

وتأتي هذه العملية بحسب القدس العربي، التي وصفت بالأضخم منذ سنوات، في سياق إعادة هيكلة شاملة تهدف إلى التكيف مع سلوك الجمهور المتغير وتقليص النفقات التشغيلية الضخمة المرتبطة بالبث التلفزيوني التقليدي، مع التركيز بشكل أكبر على المنصات الرقمية والمحتوى التفاعلي.

لم تعد الرقمنة مجرد خيار إضافي لهذه المؤسسات الإعلامية العملاقة، بل أصبحت ضرورة حتمية للبقاء والمنافسة في عصر يشهد هجرة متسارعة للمشاهدين، خاصة فئة الشباب، من الشاشات التقليدية إلى الهواتف الذكية والأجهزة اللوحية.

وتهدف عملية إعادة الهيكلة إلى بناء نماذج عمل أكثر مرونة واستدامة، قادرة على تحقيق إيرادات من خلال المحتوى الرقمي المباشر والاشتراكات عبر الإنترنت، بدلاً من الاعتماد الكلي على عائدات الإعلانات التلفزيونية التقليدية.

وفي قلب هذه العاصفة، وجدت مجموعة "بي إن سبورتس" الرياضية نفسها تتخذ قرارات صعبة، حيث كشفت مصادر مطلعة في الدوحة عن إنهاء خدمات ما يقارب 200 موظف من جنسيات مختلفة. وشملت الإجراءات إلغاء معظم وظائف الصحافيين والمنتجين في القنوات الإخبارية التابعة للمجموعة، بالإضافة إلى عدد كبير من الفنيين والمصورين والعاملين في الاستوديوهات. ومن بين الأسماء البارزة التي ورد أنها شملت بالقرار، مهيب بن شويخة، ومهند الجالي، بالإضافة إلى محمد عمور، الذي كان يشغل منصب مدير قناة "بي إن" الإخبارية، مما يشير إلى أن التغيير يطال حتى المستويات الإدارية العليا.

ولم تكن شبكة الجزيرة، بقنواتها الإخبارية والوثائقية المتعددة، بمنأى عن هذه الهيكلة الجذرية. فقد لجأت الشبكة إلى إجراءات مشابهة شملت الاستغناء عن عدد من المذيعين والصحافيين والمنتجين المخضرمين. وكان الأثر الأبرز هو حل فريق عمل برنامج "المشاء" الثقافي بالكامل، بما في ذلك مقدمه المعروف جمال العرضاوي وفريقه من المنتجين. كما طالت القرارات منتجين في برامج حوارية رئيسية مثل "بلا حدود" و"الجانب الآخر"، إلى جانب صحافيين ومنتجين آخرين في مختلف أقسام الشبكة، مما أحدث صدمة في الأوساط الإعلامية العربية.

تمثل هذه الإجراءات المتزامنة في كلتا المجموعتين أكثر من مجرد عملية لتقليص العمالة، بل هي مؤشر واضح على نهاية حقبة وبداية أخرى في الإعلام العربي. إنها تعكس قناعة راسخة لدى صناع القرار بأن المستقبل يكمن في المحتوى الرقمي السريع والموجز والموجه، وأن الهياكل التنظيمية الضخمة التي صُممت لعصر التلفزيون لم تعد مناسبة لتحديات اليوم. وبينما تثير هذه الخطوة قلقاً بشأن مستقبل المئات من الكفاءات الإعلامية، فإنها تفتح الباب في الوقت ذاته أمام تساؤلات أعمق حول شكل وهوية الإعلام في المنطقة خلال العقد القادم.